المرتهنين ؛ لأنه ذكر الرهون بلفظ يعبر بها عن الجمع ، وهو قوله : (كُلُّ نَفْسٍ) ، فاستقام استثناء الجماعة من تلك الجملة ، أي : أصحاب اليمين قد سبقت منهم الأعمال التي يستوجبون بها الإطلاق عن الحبس (١) ؛ لأن المجرمين صاروا مرهونين بإجرامهم ، وأصحاب اليمين قد اكتسبوا الخيرات ، وعملوا الصالحات ، والأعمال الصالحة جعلها الله تعالى مكفرة للمساوى والإجرام ؛ كقوله : (لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) [العنكبوت : ٧].
وقوله ـ عزوجل ـ : (فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ. عَنِ الْمُجْرِمِينَ. ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) :
فظاهر هذا يؤدي إلى أن التساؤل كان من أهل الجنة بعضهم بعضا ، وإذا صدر السؤال عن بعضهم بعضا فحقه أن يقال : «ما سلكهم في سقر» ؛ لأن أهل السقر لم يسألوا ، بل سئل عنهم غيرهم ؛ ألا ترى أنه قال : (عَنِ الْمُجْرِمِينَ) ، ولم يقل : «يتساءلون المجرمون» ؛ فثبت أن الظاهر يقتضي أن يكون المخاطبون غير المجرمين ؛ لذلك قلنا : إن حق مثله أن يقال : «ما سلكهم في سقر» ، لكنه يحتمل أن يكون قوله : (عَنِ) زيادة في الكلام ، وحقه الحذف والإسقاط ، وإذا (٢) حذف ارتفع الريب والإشكال ؛ كأنه قال : في جنات يتساءلون المجرمين ؛ فيكون فيه تثبيت أن أهل السقر هم الذين خوطبوا بالسؤال.
وجائز أن يكون أهل الجنة يسأل بعضهم بعضا عن مكان المجرمين ، أين مكانهم؟ وأين هم؟ فيطلعون عليهم فيسألونهم : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ)؟ فيقولون إذ ذاك : (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ..). إلى آخر الآية ؛ ألا ترى إلى قوله ـ عزوجل ـ : (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) [الصافات : ٥٥] ؛ فثبت أنهم (٣) يطلعون على أماكنهم ، فإذا رأوهم سألوهم عن ذلك بقوله : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) ، فأجابوا بما أخبر الله تعالى عنهم بقوله : (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ..). إلى قوله : (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ).
والأصل : أن الأفعال التي يتعلق جوازها بالإيمان إذا أضيفت إلى من ليس من أهل الإيمان ، أريد بها القبول ، وإذا أضيفت إلى أهل الإيمان ، أريد بها أعين تلك الأفعال.
والذي يدل على هذا هو أن الكافر يسلك به إلى سقر إذا كان مكذبا بيوم الدين ، وإن أقام الصلاة ، وأطعم المسكين ، لم ينفعه ذلك حتى يوجد منه الإيمان ؛ فثبت أنه لم يرد بذكر هذه الأفعال إتيان أعينها ؛ وإنما (٤) أريد بها القبول والإقرار بها ؛ والذي يدل على
__________________
(١) في ب : الجنس.
(٢) في ب : فإذا.
(٣) في ب : أنه.
(٤) زاد في ب : يريد.