ثم الغبن يذكر في التجارات ، والأصل في ذلك [عندنا](١) أن كل سليم طبعه لا يخلو من (٢) عمل ، وعمله لا يخلو من (٣) إحدى ثلاثة أوجه : إما أن يكون في مباح أو أمر أو نهي ، ومعلوم أن من استعمل المباح فهو يستعين به في إقامة الأمر ، إذ لا بد من البقاء لإقامة الأمر ؛ وذلك باستعمال المباح والاشتغال بأسبابه ، فكأنه في إقامة ذلك الأمر ؛ فحقيقته ترجع إلى أن الأعمال في الحقيقة تنصرف إلى نوعين : إلى أمر ونهي ، ومعلوم أن من كان في أمر ، فهو تارك لما نهي عنه ، ومن كان في نهي فهو تارك لما أمر به ، والتجارة في الحقيقة هو أن يأخذ شيئا [و] يترك شيئا آخر ، وإذا تحقق معنى التجارة في أعمال بني آدم ، أطلق لها لفظ : التجارة.
قال : والدنيا لها ثلاثة أسماء : المتجر ، والمزرع ، والمسلك ، وقد وصفنا معنى التجارة ، وأما معنى المزرع ؛ فلأجل أن كل من يعمل في الدنيا فإنما يعمل لعاقبة ، ولا بد أن تكون عاقبته خيرا أو شرّا ، فكل من كانت عاقبته الخير فهو زارع للخير ، ومن كانت عاقبته الشر ، فهو زارع للشر ، والله أعلم.
وأما معنى المسلك [والطريق ، فلأجل أن الخلق لم يخلقوا في هذه الدنيا ليقروا فيها ، وإنما خلقوا](٤) لأحد أمرين : [إما للثواب أو للعقاب](٥) فكل من عمل عملا يفضي به إلى الثواب والجنة فكأنه يسلك طريق الجنة ، وكل من عمل عملا يفضي به إلى النار ؛ فكأنه يسلك طريق النار ؛ فلذلك سمي : مسلكا وطريقا ، والله أعلم.
ثم التغابن عندنا يجوز أن يكون معناه : أن أهل الكفر يغبنون في أهلهم وأموالهم في [الدار](٦) الآخرة ؛ لأنهم كانوا يتعاونون بهم في الدنيا ، فحسبوا أنهم يكونون كذلك في الآخرة ، فإذا لم يجدوا وصاروا يلعن بعضهم بعضا ، غبنوا ما كانوا يأملونه منهم.
وقال بعضهم : إن لكل كافر في الجنة قصرا وبيتا وأهلا ، فإذا صاروا إلى النار ، ورث المؤمن أهله وقصره الذي كان له في الجنة ؛ [فهذا هو التغابن ، ولكن هذا](٧) غير صحيح عندنا ؛ لأنه لا يحتمل أن يبني الله تعالى للكافر في الجنة بيتا مع علمه أنه لا يأتيه ؛ لأن
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : عن.
(٣) في ب : عن.
(٤) ما بين المعقوفين سقط في ب.
(٥) في ب : أحدهما : الثواب ، والثاني : العقاب.
(٦) سقط في أ.
(٧) في ب : فهو التغابن ، وهذا.