فأخبر أن بعثهم وإعادتهم [أهون في عقولهم من إنشائهم ، ولم يكونوا شيئا ؛ فكيف أنكروا قدرته على إعادتهم](١) بعد أن صاروا ترابا ، فأخبر ـ جل وعلا ـ أن ذلك على الله يسير.
والوجه الثاني من التأويل : أن يذكر ما عملوا من خير أو شر أحصاه عليهم [كل](٢) سر وعلانية وكل صغير وكبير ؛ ليعاينوا ذلك في كتبهم ، ويعلموا تحقيقا : أنها على الله يسير.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ).
يجوز أن يكون هذا صلة ما تقدم ، وذلك أن الله تعالى ذكر ما نزل من العقوبة بالأمم الماضية ، وأن ذلك إنما نزل بهم ؛ لكفرهم بالله تعالى ، وتكذيبهم الرسل ، فآمنوا [أنتم بالله ورسوله](٣) لئلا ينزل بكم ما نزل بهم من البأس والعقوبة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا) النور : هو القرآن ، ويجوز أن يكون سماه : نورا ؛ لأنه يبصر به حقيقة المذاهب في الطاعة والمعصية والإحسان والإساءة والإيمان والكفر كما يبصر بنور النهار حقيقة الأشياء من (٤) جيدها ورديئها ، كذلك يبصر بهذا منافع الطاعة ومضار المعصية ، فسمي : نورا من هذا الوجه ، والله أعلم.
وقوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
أي : أن الله خبير بما تسرون وما تعلنون ، فراقبوه وحافظوه في الحالين جميعا ، وفي هذا بيان أن الله تعالى عالم بما يعمله العباد في الأزل ، وبما يكون منهم ، وأنه ليس كما وصفه بعض الجهال ، والله المستعان.
وقوله : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ).
ذلك اليوم في الحقيقة يوم جمع وتفريق ، وهو أيضا في الحقيقة يوم تغابن وترابح ، وإن ذكر أحدهما ؛ دليل ذلك ما ذكر في غيرها من الآيات ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى : (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى : ٧] ، وإلى ما ذكر في عقيب قوله : (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) [من قوله](٥) : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ، وهذا هو معنى الترابح ، ولكنه ـ جل ثناؤه ـ يجوز أن يكون اكتفى بذكر أحدهما عن الآخر.
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : بالله ورسوله أنتم أيضا.
(٤) في ب : في.
(٥) في ب : وقوله.