وقد غلط بعض المفسرين حيث قالوا : استغنى الله : بطاعة من أطاعه عن معصية من عصاه (١) ؛ لأن الله تعالى لم يمتحن عباده بالطاعة والمعصية لمنافع يأملها أو مضرة يخشاها ويخافها ، بل هو مستغن بذاته عن ذلك في الأزل ، والله أعلم.
ويجوز أن يكون في هذا إضمار ، يعني : واستغنى الرسول عن طاعتهم بالله تعالى ، أو يصرف الاستغناء إلى الإخبار عن ذاته : أنه مستغن بذاته في الأزل ، لا تمسه حاجة ، وأنه لا يضره كفر من كفر ، ولا ينفعه إيمان من آمن ، بل إنما يحصل (٢) ذلك كله للممتحن بهما ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).
قد وصفنا معنى الغني ، وأما الحميد يحتمل وجهين :
أحدهما : يعني : المحمود ، أي : المستحق للحمد بذاته ؛ إذ يستحق من كل أحد الحمد على ما يحسن إليه ، أو يحمل معنى الحميد على معنى الحامد ، ووجه ذلك أن الله تعالى يحمد محاسن الخلق وآثار أفعالهم ، وأن حقيقة تلك الأفعال من جهة التوفيق والتسديد إنما كانت به ، وذلك غاية الكرم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَ).
قوله : (قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه يجوز أن يكون هذا تعليما [لرسول الله](٣) صلىاللهعليهوسلم أن يعلمه القسم تأكيدا ؛ لما كان يخبر عن البعث ، وكذلك جميع ما ذكر من القسم في القرآن يجوز أن يكون على هذا المعنى ؛ لأن القسم إنما هو لنفي تهمة تمكنت ، والله تعالى لا يتهم في خبره ، والرسول هو الذي كانوا يتهمونه فيما يخبر ؛ لما لم يثبت عندهم رسالته لعدم تأملهم في دلائله ، فعلمه القسم ؛ تأكيدا لما يخبر ونفيا للتهمة عما يقوله ، والله أعلم.
ويجوز أن يكون هذا قسما مقابلا لما أقسم به الكفرة في أمر البعث ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) [النحل : ٣٨].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أن أمر البعث على الله يسير هين لأنهم أنكروا البعث بعد ما صاروا ترابا ؛
__________________
(١) في ب : يعصيه.
(٢) في أ : يحصوا.
(٣) في ب : لرسوله.