يريد [من كل منهم](١) المعصية ، لكان إذا أنجز وعده ، وأدخله [الجنة ، كان يضع ثوابه غير موضعه ويخرج عن حد الحكمة ، وإذا كان](٢) كذلك ، ثبت أنه أراد من كل ما علم أنه يختاره ، ويكون منه ليخرج فعله على الحكمة ، والله الموفق.
ونحن نقول : قد ذكر الله تعالى الإذن في مواضع مختلفة ، ولكل من ذلك وجه غير وجه صاحبه ، فالواجب أن يصرف معناه في كل موضع إلى ما يليق (٣) به ، والله أعلم.
وقوله عزوجل : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ).
قال أبو بكر : أي : من آمن بما شاهد (٤) من التدبير ، يهديه الله تعالى ؛ ليعلم أن من دبر هذا التدبير هو الذي ابتلاه بهذه المصيبة.
ويجوز أن يكون تأويله على وجه آخر ، وهو أن يقول : من يؤمن بالله أن له الخلق والأمر ـ يهد قلبه ؛ ليسكن ، ويعلم أن الله أولى به ؛ فيسترجع عند ذلك ، وذلك تأويل من قرأ يهدأ قلبه أي : يسكن ؛ من الهدوء وهو السكون ، والله أعلم.
والثاني : يحتمل أن تكون هذه الهداية وإن خرجت على لفظ الإحداث ، فليس على الإحداث ولكن معناه : أن إيمانه بالله تعالى إنما كان بهدايته منه ؛ لأنه لا يجوز أن يكون الإيمان متقدما والهداية متأخرة ، ولكن حين هداه ، آمن بما هداه ؛ وهذا على ما قال الله تعالى : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [البقرة : ٢٥٧] فهذا خرج في الظاهر على لفظ الإحداث ، ولكنه في الحقيقة ليس عليه ولكن على معنى أنهم لما آمنوا ، أخرجهم بالإيمان من الظلمات إلى النور بعد الإيمان ، فكذلك الأول ، والله أعلم.
ويجوز أن يكون تأويله : أن الله يهدي قلبه ، أي : يتوب عليه من الزلات عند الموت ؛ على ما قال الله تعالى : (وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) [الأحزاب : ٧٣].
وقيل : فيه لغات أربع (يَهْدِ قَلْبَهُ) بنصب الياء والباء جميعا ، و (يَهْدِ قَلْبَهُ) برفع الياء والباء جميعا ، و (يَهْدِ قَلْبَهُ) بفتح الياء وضم الباء ، أي : يهتدي ، و (يَهْدِ قَلْبَهُ) من السكون.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
الأصل في الأسماء المشتركة إذا أضيف شيء منها إلى الله تعالى ، فحق التخصيص في
__________________
(١) في أ : منه.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : يبني.
(٤) في أ : شهد.