للداعي ، كما قال [الله](١) تعالى : (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) [القمر : ٨].
وقال القتبي : الصاخة هي الداهية ، فذكر القيامة بالأحوال التي تكون فيها ، أو بالأفعال التي توجد فيها ؛ على ما ذكرنا.
وقال الزجاج : الصاخة : المصمة ، تصم لها الأسماع عن كل شيء إلا إلى ما يدعى إليها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) جائز أن يكون هذا على تحقيق الفرار.
وجائز ألا يكون على التحقيق ، ولكن وصف بالفرار لما يوجد منه المعنى الذي يوجد من الفار ، قال الله ـ تعالى ـ : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) [المؤمنون : ١٠١] والوجه فيه أن الأقرباء من شأنهم أنهم إذا اجتمعوا استبشر بعضهم ببعض ، وأنسوا بالاجتماع ، وإذا غابوا سألوا عن أحوالهم ، واهتموا لذلك.
ثم هم في ذلك اليوم يدعون السؤال عند الغيبة والاستبشار عند الحضرة حتى كأنه لا أنساب بينهم ، لا أن يكون بينهم في الحقيقة نسب ، ولكن ما يحل بكل واحد من الاهتمام يشغله عن السؤال بحاله والاستبشار برؤيته حتى يصير كالفرار ؛ لوقوع المعنى الذي يوجد من الفار ، لا على تحقيق الفرار ؛ لأنه قال : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) فما (٢) يحل من الشأن يمنعه عن الفرار عن نفسه وعن أقربائه.
أو يكون على حقيقة الفرار ، وذلك أن الأقرباء لا يوجد منهم القيام بوفاء جملة ما عليهم من الحقوق حتى لا يوجد منهم التقصير ؛ فيخافون (٣) في ذلك اليوم أن يؤاخذوا بذلك فيحملهم على الفرار.
أو يفر كل واحد منهم عن تحمل ثقل الأقرباء ، كما قال : (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) [فاطر : ١٨] ، وقد كانوا يتعاونون في الدنيا في تحمل الأثقال ، فيخبر أنهم لا يتعاونون في ذلك اليوم ؛ بل يفرون.
ثم جائز أن يكون هذا في الكفرة ، وأما أهل الإسلام فإنه يجوز أن تبقى بينهم حقوق القرابة كما أبقيت المودة فيما بين الأخلاء بقوله : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف : ٦٧].
وإن كان في المسلمين والكفرة جميعا فجائز أن يكون الفرار في بعض الأحوال ، وذلك
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : لما.
(٣) في ب : فيحتاجون.