بحمده.
وجائز أن يكون هذا على الاستئناف في أن يركبه على ما هو عليه ، [على](١) أي صورة شاء من الصور التي يستقذرها ؛ ويمسخه قردا أو خنزيرا ؛ لمكان ما يتعاطى من المعاصي ؛ فيكون في ذكره تذكير (٢) القدرة والقوة ؛ ليراقب الله ـ تعالى ـ ويهابه ؛ فيترك معاصيه ، ويتسارع إلى طاعته.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) فإن حملت (٣) قوله : (كَلَّا) على التنبيه (٤) والردع فممكن أن يعطف على ما قبله وعلى ما بعده ، وكذلك إذا حملته على القسم بمعنى : حقا ؛ فإنه يستقيم عطفه على الأمرين جميعا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بِالدِّينِ) يحتمل أن يكون أريد به دين الإسلام.
والأصل : أن الدين إذا أطلق أريد به الدين الحق ، وهو الإسلام ، وكذلك الكتاب المطلق كتاب الله تعالى.
ويجوز أن يكون أريد به : البعث والجزاء ، وسمي : يوم الدين ؛ لما ذكرنا أن الناس يدانون بأعمالهم.
والحكمة فيه ـ والله أعلم ـ : أنهم قد أقروا بأن الله ـ تعالى ـ أحكم الحاكمين ، وتكذيبهم بيوم الدين يوجب أن يكون أسفه السفهاء ، لا أن يكون أحكم الحاكمين ؛ لأن الدنيا عواقبها الفناء (٥) والهلاك ، فهم إذا كذبوا بالبعث فقد زعموا : أنهم ما أنشئوا إلا للهلاك والفناء ، ومن بنى بناء ، ولم يقصد ببنائه سوى أن ينقضه ويهدمه ، فهو سفيه ، عابث في الفعل ؛ فلم يحصلوا من تكذيبهم إلا على نفي الحكمة من الصانع ، وتثبيت السفه لله تعالى ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، وهو قوله : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [ص : ٢٧] ، وهم لم يكونوا يدعون أنهما خلقتا باطلا ، ولا كانوا يظنون ذلك ، ولكن الإنكار الذي وجد منهم بالبعث والجزاء يقتضي خلقهما باطلا ؛ فعلى ذلك إنكارهم بالبعث يزيل عنه القول بأنه أحكم الحاكمين ، ويثبت ما ذكرنا من السفه ، سبحانه وتعالى عما يصفون.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) ، وهم لم يكونوا يقبلون الأخبار ، ولا كانوا
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : تذكر.
(٣) في أ : جعلت.
(٤) في ب : التثنية.
(٥) في أ : الفساد.