أو سواه من وجه الدلالة على معرفة الصانع.
أو سواه فيما خلق له من اليدين ، والرجلين ، والسمع ، والبصر.
وقوله : (فَعَدَلَكَ) أي : سواك.
ووجه التسوية : أن [جعل له يدين](١) مستويتين ، لم يجعل إحداهما أطول من الأخرى ، وكذلك سوى بين رجليه.
وقرئ بالتخفيف والتشديد.
قال أبو عبيد : معنى قوله : (فَعَدَلَكَ) بالتخفيف ، أي : أمالك ، وليس في ذكره كثير حكمة ، واختار التشديد فيه.
وليس كما ذكر ، بل في ذكر هذا من الأعجوبة ما في ذكر الآخر ؛ فقوله : (عدلك) ، أي : صرفك من حال إلى حال ، ووجه صرفه ـ والله أعلم ـ : أنه كان في الأصل ماء مهينا في صلب الأب ، فصرف (٢) ذلك الماء إلى رحم الأم ، ثم أنشأه نطفة ، ثم صرفها إلى العلقة ، وإلى المضغة إلى أن أنشأه خلقا سويا.
أو صرفه على ما عليه من الحال من الصحة إلى السقم ، ومن السقم إلى البرء ؛ فيكون في ذكر هذا تعريف المنة والقدرة والحكمة ، كما في الأول ، ففيه أعظم الفوائد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) :
منهم من جعل (ما) هاهنا صلة زائدة ، ومعناه : في أي صورة شاء ركبك.
ومنهم من جعل (ما) هاهنا بمعنى الذي.
ثم قوله : (شاءَ رَكَّبَكَ) يحتمل أن يكون هذا عبارة عما تقدم من الأوقات ، وهو أنه قد شاء تركيبك على الصورة التي أنت عليها ، لا على صورة البهائم وغيرها ؛ فيكون [في](٣) ذكره تذكير المنن والنعم ؛ ليستأدي منه الشكر.
ووجه التذكير أنه أنشأه على صورة يرضاها ، ولا يتمنى أن يكون بغير هذه الصورة من الجواهر ، وأنشأه على صورة يعرف المحاسن والمساوئ ، ويعرف الحكمة والسفه ، ويميز بينهما ، ويميز بين المضار والمنافع ، وأنشأه على صورة سخر له السموات والأرضين والأنعام ، كما قال الله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ..). الآية [الجاثية : ١٣] ، وقال ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ..). الآية [الإسراء : ٧٠] ، ولم يسخره لغيره ؛ فثبت أن فيه تذكير (٤) النعم ؛ ليشكروه ، ويقوموا
__________________
(١) في ب : جعله بين.
(٢) في أ : فضرب.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : تذكر.