[فصلت : ١١] ، وهما لا يوصفان بطوع ولا إكراه ، ولكن خلقتا على هيئة لو وجدت تلك الهيئة فيمن وصف بالطوع والإكراه ، كان ذلك منه طوعا.
وقال إبراهيم ـ عليهالسلام ـ : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) [إبراهيم : ٣٦] ، وهي في الحقيقة لا تضل ، ولكنها أنشئت على هيئة لو كانت تملك الإضلال ، لعد ذلك منها إضلالا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) قيل (١) : بسطت ، وسويت بكسر الشعاب والأودية بالجبال ، أو بما شاء ؛ فصارت : (قاعاً صَفْصَفاً. لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) [طه : ١٠٦ ، ١٠٧].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ) ، [أي](٢) : ألقت ما وضع فيها من الموتى والكنوز ؛ فتخلت عنها ؛ فنسب التخلي إليها ، وإن كان من فيها هو الذي خلا عنها ، وكانت هي الحابسة ؛ لأنه إذا خلا عنها خلت هي عنه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ) الكادح : هو الساعي ، وهو الذي اعتاد ذلك ، وهذا في كل الإنسان ، تراه أبدا ساعيا إما في عمل الخير أو عمل الشر ، أو فيما ينفعه أو فيما يضره ، حتى لو هم بترك السعي لم يقدر ؛ لأن تركه السعي نوع من السعي.
وروي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال حين تلا هذه الآية : «أنا ذلك الإنسان» فهذا ليس [أنه](٣) هو المخصوص بالخطاب ؛ لأنه بين الإنسان ، فقال : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) ، (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) ، ولا يجوز أن يكون هو المراد بهذا كله ، فكل أحد على الإشارة إليه مراد بقوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ) ، فلذلك قال [النبي](٤) ـ عليهالسلام ـ : «أنا ذلك الإنسان».
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلى رَبِّكَ كَدْحاً) جائز أن يكون معناه : أن اجعل كدحك إلى ربك في أن تسعى في طاعته وطلب مرضاته ؛ فإنك ملاقيه لا محالة ؛ أي : تلاقي جزاء عملك : إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر.
وجائز أن تكون الملاقاة كناية عن البعث ؛ إذ البعث قد يكنى عنه بلقاء الرب ، قال الله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ) [الكهف : ١١٠] وسمي ذلك اليوم : يوم المصير
__________________
(١) قاله ابن جرير (١٢ / ٥٠٥).
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في ب.