بأن أوتوا كتبهم بأيمانهم ، وأما الكافر فإنه استخف بأمر الله ـ تعالى ـ وطاعته ، فجوزي في الآخرة بأن أوتي كتابه بشماله التي تستعمل في الأقذار ؛ إهانة له وتحقيرا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) : الثبور والويل حرفان يتكلم بهما عند الوقوع في المهالك ؛ فيكون في ذكر [الثبور ذكر](١) وقوعه في المهلكة التي يحق له دعاء الثبور والويل على نفسه ، دعا به أو لم يدع ؛ على سبيل الكناية عن الوقوع في الهلاك ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) [التوبة : ٨٢] ، فالضحك كناية عن السرور ، والبكاء كناية عن الحزن ؛ فمعناه : أنه يستقبله ما يحزن له طويلا ، كان هناك بكاء أو لم يكن.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ. بَلى) فيه دلالة أنه إنما حل به ما ذكر من العذاب ؛ لأنه كان للبعث ظانا ، ولم يكن به متيقنا ؛ وكذلك الله ـ سبحانه وتعالى ـ حيث قسم الوعد والوعيد بين الفريقين ذكر في آخره ما يبين أن الذي أوعد بالعذاب هو المكذب ، وذكر الوعيد هاهنا وبين أن الذي يحل به هذا الوعيد هو الذي كان ظانا بالميعاد ولم يكن متحققا ، وقال الله ـ عزوجل ـ : (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ ..). [السجدة : ٢٠] إلى قوله : (ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) [السجدة : ٢٠] فبين أن الوعيد في المكذبين ، وقال ـ تعالى ـ : (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ ..). إلى قوله : (فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) [المؤمنون : ١٠٤ ، ١٠٥] ؛ ليعلم أن الوعيد الدائم في المكذبين خاصة ؛ فيكون فيه دفع قول المعتزلة : إن أهل الكبائر يخلدون في النار.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) ، أي : كان بصيرا بما سبق من أعماله الخبيثة ؛ فيحاسبه على علم منه بما كسبت يداه ، ويعذبه على علم منه باكتساب ما استوجب من العذاب ، خلافا لأمر ملوك الدنيا : أنهم يحاسبون على تذكير الغير لهم ما عليه من الحساب ، ويعذبون على تعريف الغير لهم ما استوجب به التعذيب ، لا على علم منهم (٢) بذلك.
أو يكون معناه : أنه كان به بصيرا في الأزل : أنه ما ذا يعمل إذا أنشأه؟ وإلى ما ذا ينقلب أمره : إلى النار أو إلى الجنة؟ فخلقه على علم منه أنه يعادي أولياءه ، ويعمل بمعاصيه.
ولقائل أن يقول بأن المرء في الشاهد لا يشرع في الأمر الذي يعلم أنه في العاقبة يضره ولا ينفعه ، ولو شرع فيه ، وأتمه كان مذموما عند الناس ، ولم يكن محمودا ، فأي حكمة
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : فيهم.