جواب لها ؛ فكان الظاهر من الكلام الأول على ما فهمته عائشة رضي الله عنه.
ولكن وجه الجواب فيه : أن قوله ـ عليهالسلام ـ : «من حوسب عذب» ، وقوله ـ عزوجل ـ : (فَسَوْفَ يُحاسَبُ) ليس على كل حساب ، وإنما هو على الحساب الذي لا يناقش فيه ، فأما الذي هو عرض فليس مما يعذب عليه ؛ فيكون فيه إبانة أنه لا يفهم بالخطاب العام عموم المراد كما فهمته عائشة ـ رضي الله عنها ـ بل يجوز أن يكون الخطاب عاما ، والمراد منه خاصا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) ، وقال في شأن الذي أوتي كتابه وراء ظهره (وَيَصْلى سَعِيراً. إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) ؛ فهذا لأن المسلم إنما تأهل على قصد تحصيل النفع لنفسه في العاقبة ، وتكون معينة له على أمور الآخرة ؛ فحصل له ذلك النفع بإحرازه السرور الدائم بذلك (١) ، والكافر تأهل للمنافع الحاضرة وسر بها سرورا ، وأنساه السرور أمر العاقبة ؛ فحق عليه العذاب ؛ لتركه السعي للآخرة ، لا لسروره بأهله ، وهو كقوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ..). الآية [الإسراء : ١٨] ، والكل منا يريد العاجلة ولا بد له منها ، لكن الذي يصلى جهنم هو الذي ابتغى العاجلة ابتغاء أنساه ذلك عن الآخرة ، فكذلك المسرور بأهله إنما حلت به النقمة ؛ لما منعه السرور عن النظر للعاقبة ، لا لنفس السرور ؛ إذ كل متأهل لا يخلو عن السرور بأهله ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) ، فالإيتاء من وراء الظهر يحتمل وجهين :
أحدهما : أن استقذر منه ؛ لخبث منظره ؛ فأوتي من وراء ظهره ؛ مجازاة له بما سبق من صنعه ، وصنعه أنه نبذ كتاب الله وراء ظهره ، وترك أوامره ونواهيه كذلك وراء ظهره ؛ فجوزي ـ أيضا ـ بدفع كتابه وراء ظهره ، ودفع إلى المؤمن كتابه بيمينه ؛ لما في كتابه من المحاسن والبركات ، واليمين أنشئت (٢) ؛ لتستعمل في البركات وأنواع الخير ، وسميت ـ أيضا ـ باسم مشتق من اليمن والبركة ، والشمال جعلت لتستعمل في الأقذار والأنجاس ، فدفع كتابه من خبث عمله إليه بشماله أيضا أو من وراء ظهره.
ولأن أهل الإيمان قبلوا أمر الله ـ تعالى ـ ونواهيه واستقبلوها بالتعظيم والتبجيل ، ومن أراد تعظيم الآخر في الشاهد وتبجيله ، أخذه بيمينه ، فجوزوا في الآخرة بالتعظيم لهم
__________________
(١) في ب : لذلك.
(٢) في ب : أنسب.