في الحقيقة نسيان ؛ فكذا سمى جزاء الكيد : كيدا ، لا أن يكون الجزاء كيدا.
ووجه آخر : أن الكيد في الحقيقة والمكر هو أن يأخذه من وجه أمنه ؛ فيلحق الكائد اسم الذم ؛ لأنه أخذه من وجه لم يشعر به ، وهذا المعنى في الكيد الذي أضيف إلى الله ـ تعالى ـ غير موجود ؛ لأن الله ـ تعالى ـ قد بين له الطريق الذي إذا سلكه وقع له به الأمن من الطريق الذي إذا سلكه حل به البوار والهلاك ، فإذا سلك هذا الطريق ، كان سلوكه عن عناد منه ، أو عن ترك الإنصاف من نفسه ؛ فوجد ما يكره من الكيد [لا من الكائد](١) ؛ فلم يلحقه بذلك الوصف المعنى المكروه.
ثم كيدهم برسول الله صلىاللهعليهوسلم وبالمؤمنين ما ذكر في آية أخرى ، وهو قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ) [الأنفال : ٣٠].
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ) مهل وأمهل لغتان ؛ فكأنه يقول : (أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) ، ولا تجازهم بصنيعهم ؛ فإن الله ـ تعالى ـ يجازيهم بصنيعهم عن قريب ، وقد فعل ذلك بما سلط رسوله صلىاللهعليهوسلم بقتلهم وسبيهم ؛ فيكون في هذا بشارة منه لرسوله صلىاللهعليهوسلم بالنصر عليهم وبغلبته إياهم ، وفي ذلك آية رسالته ؛ لأنه قال لهم هذا عند قلة أعوانه وضعفه ، ثم إن الله ـ تعالى ـ كثر أنصاره وأظهره عليهم كما قال لهم ؛ ليعلموا أنه علم ذلك بالوحي ، والله الموفق.
* * *
__________________
(١) في ب : لأن من المكائد.