بقوا (١) أبدا في النصب والعمل في الدنيا والآخرة.
وجائز أن يكون نصبها وعملها في النار ، وهو أنها لم تعمل في الدنيا ؛ بل تكبرت (٢) عن طاعة الله ـ تعالى ـ فأعملها وأنصبها في الآخرة بمعالجة الأغلال والسلاسل في النار الحامية.
أو عملت في الدنيا بالمعاصي ونصبت في الآخرة ؛ فيكون فيه (٣) تبيين العمل والجزاء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تَصْلى ناراً حامِيَةً) ، أي : حارة ، قد أحماها الله ـ تعالى ـ من يوم خلقت إلى الوقت الذي يسقى منها.
وقوله : (تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) قيل (٤) : الآني : الذي قد انتهى في الحر غايته حتى لا حر أحر منه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) ، اختلف في الضريع :
منهم من يقول : سمي : ضريعا ؛ لأنهم يتضرعون عنه ، ويجزعون (٥) إذا طعموا.
ومنهم من جعل الضريع لونا من ألوان العذاب لم يبينه الله ـ تعالى ـ للخلق.
ومنهم من قال : الضريع : اسم لنبت قد عرفته العرب فيما بينهم تأكله (٦) الإبل والدواب ما دام رطبا ؛ فإذا هاج ويبس تركت الدواب أكله ، وعافته لخبثه وكثرة ما عليه من الشوك ، ويسمونه : شبرقا في الربيع ، وإذا هاج وجف ، يسمونه ضريعا ، فذلك النبت في الدنيا يعمل في اسمان الدابة ويغنيها من الجوع ، فنفي الله ـ تعالى ـ وجه الإسمان والإغناء ، وحصل أمره على الخبث بقوله : (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) ، وهو كقوله : (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ. وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) [الواقعة : ٢٨ ، ٢٩] ، فالسدر اسم شجرة ذات شوك في الدنيا ، فأنشئت في الآخرة بلا شوك ، ووصف خمر (٧) الجنة فقال : (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ) [لواقعة : ١٩] ، والخمر في الدنيا تعمل في التصديع ، وهي تنزف (٨) ؛ فنفى عنها هذه الآفات ، وجعلها شرابا سائغا لذة للشاربين ، فكذلك الضريع نفى به ما يقع به الإسمان والإغناء ، وحصل أمره على الخبث ، والله أعلم.
__________________
(١) في ب : لقوا.
(٢) في ب : يكترث.
(٣) في ب : في.
(٤) قاله السدي أخرجه ابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٧٣).
(٥) في ب : ويخرجون.
(٦) في ب : تأكلها.
(٧) في ب : أحمر.
(٨) في ب : تنصرف.