والشقاوة في ذلك الوقت ؛ ولكن معناه أنه : إذا آثر الشقاوة في حالة الامتحان خلق كذلك ، وإذا آثر السعادة فكذلك أيضا.
وقال نوح ـ عليهالسلام ـ : (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) [نوح : ٢٧] ، وهم في وقت ما ولدوا غير موصوفين بواحد من الوصفين ، بل يصيرون كذلك ؛ فيتبين أنهم خلقوا لذلك ؛ فموقع القسم على ما له يكابد ، ليس على المكابدة نفسها ؛ لأن المكابدة من الإنسان ظاهرة لا يحتاج إلى تأكيدها بالقسم.
وقولنا : إن المقصود من ابتداء الفعل العاقبة قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «إذا أردت أمرا فدبر عاقبته ، فإن كانت رشدا فأمضه ، وإن كانت غيا فانته».
وزعمت المعتزلة أن الله ـ تعالى ـ لم يخلق أحدا من البشر إلا ليعبده ، ولو كان الأمر على ما زعموا وظنوا ، لأدى ذلك إلى الجهل بالعواقب ، أو وجب أن يكون الفعل (١) خارجا مخرج الخطأ ؛ لأن كل من صنع أمرا يريد غير الذي يكون جاهلا بالعواقب ، أو عابثا بالفعل ؛ لأن من يبني (٢) لشيء يعلم أنه لا يكون ، عد ذلك منه عبثا ، ولو كان غير الذي يريده ، وهو أن يبني ليسكن [فيه](٣) ، ثم ينقض قبل أن يسكن ، كان الذي حمله على البناء جهله بالعواقب. وجل الله ـ تعالى ـ من أن يلحقه خطأ في التدبير أو جهل بالعواقب ؛ فثبت بما ذكرنا أن الله ـ تعالى ـ شاء لكل فريق ما علم الذي يكون منهم ، وخلقهم لذلك الوجه دون أن يكون خلق الجملة للعبادة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ. يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً. أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) :
فالآية تحتمل وجهين :
أحدهما : [أن](٤) يكون حسب أن الله ـ تعالى ـ لا يقدر على بعثه ؛ فيكون قوله : (أَحَدٌ) هو الله تعالى.
(يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) أي : جما : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) ، أي : أنفقت منه مقدار ما يخرج عن حد الإحصاء.
وقوله (٥) : (لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) ، أي : لم يعلم أحد مبلغ ما أنفق من ذلك.
__________________
(١) في أ : العقل.
(٢) في أ : أنشأه.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : قوله.