لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [العنكبوت : ٦٩] ، فوعد الهداية بالجهاد ، وقال ـ تعالى ـ : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) [البقرة : ١٨٦] ، ثم كانت الإجابة مضمنة شريطة ، وهي أن يستجيب له الداعي فيما دعاه إليه ؛ ألا ترى إلى قوله ـ تعالى ـ : (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة : ١٨٦] ، وقال ـ تعالى ـ : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) [البقرة : ٤٠] ، وقال : (إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ ..). الآية [المائدة : ١٢] ؛ فثبت أن الذي يلهم التقوى هو الذي يقوم بوفاء ما عليه ، فإذا قام به ألهمه التقوى ، وبين له سبيل الفجور.
وقال أبو بكر الأصم في قوله : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) ، أي : ألزمها فجورها وتقواها ؛ فتكون تقواها لها ، وفجورها عليها ، لا يؤخذ أحد بفجور أحد ، وفي هذا دليل على أن التقوى إذا ذكر مفردا انصرف إلى الخيرات أجمع ، وإذا قرن به البر والإعطاء ، انصرف إلى الاتقاء عن المحارم ، كقوله ـ تعالى ـ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى. وَصَدَّقَ ..). [الليل : ٥ ، ٦] ، وإذا قيل : بر ، واتقى ، أريد به : أنه بر بكل ما يحمد عليه ، واتقى عن كل ما يذم عليه فاعله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) :
فموقع ما تقدم من القسم بالشمس والقمر والليل والنهار على هذا ، فقوله (١) : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) في الآخرة (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) في الآخرة ؛ فيكون هذا منصرفا إلى الجزاء في الآخرة ؛ على ما يذكر في قوله : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) [الليل : ٤] ؛ فيكون في هذا إيجاب القول بالبعث من الوجه الذي نذكره ، إن شاء الله تعالى.
ثم اختلفوا في تأويل الفلاح :
قال بعضهم : أفلح ، أى (٢) : سعد.
ومنهم من يقول : أي : بقي في الخيرات ، والفلاح : البقاء.
ومنهم من يقول : أفلح ، أي : فاز ، والمفلح في الجملة هو الذي يظفر (٣) بما يأمل ، وينجو عما يحذر ؛ فيدخل في ذلك السعادة والبقاء والفوز.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مَنْ زَكَّاها) : جائز أن يكون منصرفا إلى الله تعالى.
وجائز أن ينصرف (٤) إلى العبد ، قال الله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى
__________________
(١) في ب : كقوله.
(٢) في ب : قد.
(٣) في ب : ظفر.
(٤) في ب : يصرف.