بالنقصان ، وهذا أعم من الأول.
ويحتمل : (سَوَّاها) على ما عليه مصلحتها ، وتملك التقلب والتعيش ، ليس على ما عليه سائر الحيوان.
ويحتمل وجها آخر (١) ، وهو أن يكون قوله : (سَوَّاها) ، أي : جعلها بحيث احتمال الكلفة والمحنة ، كقوله ـ تعالى ـ : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى) [القصص : ١٤] ، وتميز بين القبيح والحسن ، وتعرف عواقب الأمور من الخير والشر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) :
هذا يحتمل أوجها :
أحدها : أي : بين لها فجورها وتقواها وعلمها ، فمن زعم أن المعارف ضرورية خلقة ، يحتج بهذه الآية ، فيقول : أخبر ـ تعالى ـ أنه علمها فجورها وتقواها ، وأنه وضع في نفسه ما يعرف به قبح كل قبيح ، وحسن [كل حسن](٢).
والأصل فيه عندنا : أنه يعرف حسن الأشياء وقبحها جملة ببداية العقول ، ولكن العقول لا تعرف حسن كل شيء على الإشارة إليه ، ولا قبح كل قبيح على الإشارة إليه ؛ وإنما (٣) تعرف ذلك إما بخبر يرد على ألسن الرسل عليهمالسلام ، أو باستعمال الفكر ؛ ألا ترى أنك تجد النفس من طبعها أنها تألف الملاذ والمنافع ، وتنفر عن المكاره والآلام ، ولكنها لا تعرف معرفة كل منتفع على الإشارة إليه ولا ضرارة أعين الأشياء ؛ وإنما تعرف ذلك بالذوق.
وكذلك العين تدرك الألوان ، لكنها لا تعرف حسنه وقبحه ؛ بل العقل هو الذي يفصل بينهما ، فعلى ذلك قد جعل في طبع العقل قبح القبائح جملة وحسن الحسن ، ولكن لا يفصل بينهما على الإشارة إلى كل في نفسه إلا بما ذكرنا ؛ فيكون قوله : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) ، أي : جعل في نفسها ما يبين القبيح من الحسن ، والخبيث من الطيب ، ويبين قبح الفجور وحسن التقوى ، ويلزمه المحنة والكلفة بذلك ، ثم يصل إلى معرفة ذلك إما بالرسل ، وإما باستعمال الفكر.
ويحتمل وجها آخر ، وهو أن يلهمها تقواها إذا وفى بما لله تعالى عليه من الاستقامة على الطريقة والمجاهدة ؛ ألا ترى إلى قوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا
__________________
(١) في ب : أوجها أخر.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : قائما.