ودل مجيء كل واحد منهما بطرفة عين على أن منشئهما قادر لا يعجزه شيء من بعث ولا غيره.
ودل ما ذكرنا أن فاعل ذلك حكيم ، على حكمة خرج فعله ، لا يحتمل أن يتركهم سدى لا يأمرهم ، ولا ينهاهم ، ولا يمتحنهم بأمور.
وكذلك جعل فيما ذكر من الذكر والأنثى (١) من الدلالات والآيات من الازدواج والتوالد والتناسل وغير ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) :
قال بعضهم : إن حرف (ما) متى قرن بالفعل الماضي ، صار بمعنى المصدر ؛ كأنه قال : وخلق الذكر والأنثى ؛ فيكون قسما بجميع الخلائق ، إذ لا يخلو شيء من أن يكون ذكرا وأنثى.
وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه (٢) ـ : والذكر والأنثى ، وكذلك روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قرأ كذلك.
وقال بعضهم (٣) : (ما) هاهنا بمعنى «الذي» ؛ كأنه قال : والذي خلق الذكر والأنثى ؛ فيكون على هذا الوجه القسم بالله تعالى ، وعلى التأويل الأول بالذكر والأنثى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) :
قالوا : على هذا وقع القسم ، فإن قيل : إن كلا يعلم من كافر ومؤمن أن سعيهم لمختلف ؛ فما الحكمة والفائدة من ذكر القسم على ما يعلم كل ذلك؟
فالوجه فيه ـ والله أعلم ـ : [أن](٤) ما يقع لهم بالسعي ، وما يستوجبون به لمختلف في الآخرة ، وهو جزاء السعي ؛ كأنه قال : إن جزاء سعيكم وثوابه لمختلف ، وذلك أنهم كانوا يقولون : إن كانت دار أخرى على ما يقوله محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فنحن أحق بها من أتباع محمد صلىاللهعليهوسلم كقوله : (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) [الكهف : ٣٦].
أو يكون قوله : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) ؛ لأن المعطي في الشاهد ينفع غيره ، ويضر نفسه في الظاهر ، والممسك ينفع نفسه ، ثم المعطي محمود عند الناس ؛ فلو لم يكن عاقبة ينتفع المعطي بما أعطى ، ويضر البخيل المنع ، لكان الناس بما حمدوا هذا وذموا الآخر سفهاء ؛
__________________
(١) في ب : من الأنثى.
(٢) أخرجه ابن جرير (٣٧٤٢٠).
(٣) قاله الحسن أخرجه ابن جرير (٣٧٤٢٨) ، وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٦٠٤).
(٤) سقط في ب.