وقال بعضهم (١) : إذا سكن وركد.
وقال بعضهم (٢) : (إِذا سَجى) : إذا غشي وأظلم ، وغطى كل شيء وستر ، وهو من التسجي والتستر (٣) ؛ يقال (٤) : تسجى قبر المرأة ؛ إذا تستر (٥) وتغطى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) على هذا وقع القسم ، ثم اختلف في السبب الذي [لأجله] نزل هذا :
قال بعضهم : إن النبي صلىاللهعليهوسلم كان سئل عن شيء إذ طلبوا منه شيئا ، فقال : أفعل ذلك غدا ، أو أجيبكم (٦) عنه غدا ، ولم يستثن ؛ فاحتبس عنه الوحى أياما لذلك ؛ فقال المشركون : ودعه ربه وقلاه ، أي : تركه وأبغضه.
ومنهم من قال (٧) : إنه أبطأ عليه الوحى ، فجزع جزعا شديدا ، فقالت له خديجة ـ رضي الله عنها ـ : «إني لأرى قلاك ربك وودعك» ؛ مما ترى من جزعه ؛ فنزل قوله : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى).
ولسنا ندري كيف كان الأمر؟ فإن كان نزل ذلك لقول قريش ، فالقسم يحتمل كذلك ؛ ردا لقولهم.
والقول الثاني : أنه نزل لقول خديجة ـ رضي الله عنها ـ فهو غير محتمل ؛ لأن خديجة تعلم أن الله ـ تعالى ـ لم يودعه ولا قلاه ، وكذا كل مؤمن معتقد أن الله ـ تعالى ـ لا يودع أحدا من رسله.
ولأنها تصدق الرسول ـ عليهالسلام ـ أنه لم يودعه ولا قلاه إذا أخبرها بغير قسم ؛ فلا معنى للقسم ؛ فدل أن هذا الوجه غير محتمل.
ثم صرف تأويل الآية إلى غير ما قالوا أشبه عندنا وأقرب مما قالوا ، وهو أنه ـ عليهالسلام ـ بعث إلى الفراعنة والجبابرة الذين كانت همتهم قتل من خالفهم ، وإهلاك من
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٣٧٤٩٨) ، وعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٦٠٩).
(٢) قاله سعيد بن جبير بنحوه أخرجه عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٦٠٩).
(٣) في أ : الستر.
(٤) في ب : فقال.
(٥) في أ : ستر.
(٦) في أ : أخبركم.
(٧) من طريق عروة أخرجه ابن جرير (٣٧٥١٢) والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل كما في الدر المنثور (٦ / ٦٠٩).