مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت هذه الآية ؛ فقال أبو بكر [الصديق](١) : يا رسول الله : كل من عمل منا شر يراه؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما يرون في الدنيا مما يكرهون فهو من ذاك ، ويؤخر الخير لأهله في الآخرة».
وجائز أن يكون قوله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) و (شَرًّا يَرَهُ) ، على الإحصاء والحفظ ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها ..). [الكهف : ٤٩] أي : لا يذهب عنه شيء قليل ولا كثير حتى الذرة.
ويحتمل وجها آخر ، وهو أن قوله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ..). ، أي : من يعمل من المؤمنين مثقال ذرة خيرا يره في الآخرة ، ومن يعمل من الكفار مثقال ذرة شرا يره في الآخرة ؛ لأن الله ـ تعالى ـ قد أخبر في غير آي من القرآن أنه يتقبل حسنات المؤمنين (٢) ، ويتجاوز عن سيئاتهم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) [العنكبوت : ٧] ، ونحو ذلك من الآيات.
وقوله : (مِثْقالَ ذَرَّةٍ) ليس على إرادة حقيقة الذرة ؛ ولكن على التمثيل.
ثم قيل من إخبار الأرض وما ذكر من شهادة الجوارح : أن كيف احتمل ذلك ، وهي أموات ، والموات لا علم لها؟ فجائز أن يكون الله ـ تعالى ـ يجعل لها علما ، وينطقها بذلك ، وأن لها بذلك علما على جعلها آية.
ثم في قوله ـ تعالى ـ : (لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) دلالة أن قوله ـ تعالى ـ : (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) [التوبة : ٦] ، وقوله : «لا تسافروا بالقرآن [إلى](٣) أرض العدو» ، وقول الناس : «نقرأ كلام رب العالمين» ، و «فى المصاحف قرآن» ألا يراد به حقيقة كون كلام الله ـ تعالى ـ في المصاحف ، ولا حقيقة كون القرآن فيها والسفر به ، ولا حقيقة سماع كلامه ، ويكون على ما أراد من سماع ما به يفهم كلامه ، أو يسمع ما يعبر به عن كلامه ، وكذلك يكون في المصاحف ما يفهم به كلامه ، أو ما يعبر به عن كلامه ؛ على ما ذكر من رؤية الأعمال ، وأعين الأعمال لا (٤) ترى ، ولكن يرى ما يدل عليها ، وهو المكتوب من أعمالهم في الكتب التي فيها أعمالهم ؛ فعلى ذلك هذا ، [والله أعلم بالصواب](٥).
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : المؤمن.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : إلا.
(٥) في ب : والله الموفق والمسدد.