وجوه ، ولكنه في الحاصل يرجع إلى معنى واحد :
فمنهم من قال : أي : كالجراد المنتشر حين أرادت الطيران.
ومنهم من قال (١) : كالجراد الذي يموج بعضه (٢) في بعض.
ومنهم من قال (٣) : كالفراش [المبثوث](٤) الذي يتهافت (٥) في النار ؛ فيحترق ؛ وكل ذلك يؤدي معنى الحيرة والاضطراب من هول ذلك اليوم.
وأصل ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) [الحج : ٢] ، فكأن الله ـ تعالى ـ قال : إنهم يصيرون في الحيرة من هول ذلك اليوم وشدته كالطائر الذي لا يدري أين يطير؟ وأين يثبت؟ وأين ينزل؟
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) قال بعضهم : كالصوف المصبوغ.
وقال بعضهم : كالمندوف من الصوف.
فإن كان على التأويل [الأول](٦) فمعناه ـ والله أعلم ـ : أن الجبال في ذلك اليوم تتلون ألوانا من شدة ذلك اليوم بلون العهن ؛ ألا تراه يقول : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً) [النمل : ٨٨] ، وقال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) [طه : ١٠٥] ؛ فكذلك هذا على ذلك المعنى.
وإن كان على التأويل الآخر ، فمعناه : أن الجبال مع شدتها وصلابتها ، تصير في الرخاوة والضعف من هول ذلك اليوم كالصوف المندوف ؛ إذ ذلك أضعف أحواله.
وقال قتادة : شبههم بغنم لا راعي لها ، ذكر العهن كناية عن الغنم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) ، اختلفوا في تأويل الميزان من وجوه ، ولكنّ أقربها عندنا وجهان :
أحدهما : أن يكون المراد من قوله : (ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) جملة المؤمنين ، وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) جملة الكفار ، ويكون الوجه في ذلك أن المؤمن لما عظم حق الله ـ تعالى ـ وأقام حدوده كان له ميزان وقيمة وخطر عند الله ـ تعالى ـ في ذلك اليوم ، والكافر لما ترك ذلك ، خف وزنه وقيمته وخطره ، وقد يطلق ـ والله أعلم ـ
__________________
(١) قاله ابن زيد أخرجه ابن جرير عنه (٣٧٨٥٧).
(٢) في أ : بعضهم.
(٣) قاله قتادة أخرجه عبد بن حميد ، وابن جرير (٣٧٨٥٦) كما في الدر المنثور (٦ / ٦٥٥).
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : تهافت.
(٦) سقط في ب.