مؤمن بالله ـ تعالى ـ كافر بالطاغوت ، والكافر يكفر بالرحمن ويؤمن بالطاغوت ويعبده ؛ فثبت أن الإيمان ليس يحسن لنفس اسم الإيمان ، ولا قبح الكفر ؛ لعين اسم الكفر ولكن الإيمان بالله ـ تعالى ـ إنما حسن من حيث أوجبت الحكمة الإيمان به ، وقبح الكفر ؛ لأن الحكمة أوجبت ترك الكفر بالله تعالى ، فالإيمان حسن ؛ لما فيه من المعنى ، والكفر قبح ، لما فيه من معنى الكفر ، وهذان الفعلان قبيحان في أنفسهما ، لا بغيرهما ؛ فكان التعيير الذي يقع بهذين الفعلين أكثر وأبلغ منه في تعييرهم بالكفر ؛ لذلك عيرهم الله ـ تعالى ـ بهذين الفعلين.
ووجه آخر : أن هذا يخرج مخرج الموعظة لأمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يهمز به ويسخر منه ؛ لما يأمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر ، ولا يحمله (١) ما كانوا يتعاطونه على ترك أمرهم بالمعروف ، ونهيهم (٢) عن المنكر ؛ لئلا يمتنع أحد من أمته عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما يخشى أن يسخر به أو يستهزأ.
والثالث : أن يكون هذا على وجه المكافأة والانتقام لما كانوا يفعلون [بنبينا محمد صلىاللهعليهوسلم](٣) على الزجر والردع عن ذلك ؛ إذ العقلاء يمتنعون عن الأفعال القبيحة ؛ فعلى هذه الوجوه يحتمل معنى تعييرهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) ، قرئ على التخفيف (جَمَعَ) من الجمع ؛ أي : جمع ماله عنده ولم يفرقه وعدده [وذكره](٤) ـ أي : حفظ عدده ، وذكره على الدوام ـ لئلا ينقصه ، وصفه بالبخل والشح.
ومن قرأه بالتشديد ، فمعناه : أنه جمعه وادخره بممر الزمان ، لم يجمع ذلك في أيام قصيرة.
والأصل (جمعه) بالتخفيف ، لكن شدده لما فيه من زيادة الجمع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) يتوجه وجهين :
أحدهما : أن يكون على الحقيقة أنه قدر عند نفسه أنه يبقى لبقاء الأموال له ؛ لما يرى بقاءه من حيث الظاهر بها ؛ فتقرر عنده أن ما آتاه الله ـ تعالى ـ من الأموال هو رزقه ؛ فيعيش إلى أن يستوفي جميع رزقه ؛ فيجمعه ، ويدخره ؛ لكي يزيد في عمره.
والوجه الثاني : أن يكون على الظن والحسبان ، كأنه يقول : جمع مالا وعدده جمع من
__________________
(١) في أ : بجملة.
(٢) في أ : والنهى.
(٣) في ب : بمحمد عليهالسلام.
(٤) سقط في ب.