وقيل (١) : إن العرب كانت تغير بعضهم على بعض ، ويسبي بعضهم بعضا ، وأهل مكة كانوا آمنين في حرم الله ـ تعالى ـ كقوله ـ تعالى ـ : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت : ٦٧] ، فذكر عظيم نعمه عليهم ومننه ؛ ليعلموا ذلك أنه منه.
وأصله أن الله ـ تعالى ـ لما كان من حكمته وإرادته جعل الرسالة في قريش وإبقاؤها إلى الوقت الذي أراد أن يبقى ، جعل لهم من الأمن في ذلك المكان والأرزاق التي تجبى إليهم ، وما يتعيشون به في ذلك ؛ ليبقوا إلى الوقت الذي أراد بقاءهم إليه ؛ فيكون ما أراد على ما أراد ، فكما أنشأ هذا العالم للبقاء إلى الوقت الذي أراد أن يبقوا فيه جعل لهم من الأرزاق ما يبقون إلى الوقت الذي أراد ؛ ليكون ما أراد ؛ فعلى ذلك الأول.
قال القتبي : الإيلاف : مصدر آلفت فلانا إيلافا ؛ كما تقول : ألزمته إلزاما.
وقال الكسائي : آلفت المكان ، وألفته ؛ لغتان.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) ، أي : كصنع قريش (إِيلافِهِمْ) ، أي : صنيعهم ، (رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ. فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) السنين الذي أصابهم ، (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) العدو ، والله أعلم.
* * *
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير عنه (٣٨٠٢٢).