والثاني : إخبار عن الإياس لهم من رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أن يرجع إلى دينهم أبدا ، وقطع رجائهم وطمعهم في ذلك.
وفيه ـ أيضا ـ أن من أشرك غيره في عبادة الله ـ سبحانه وتعالى ـ أو عبد غيره دونه على رجاء القربة إلى الله ـ تعالى ـ فهو ليس بعابد لله ـ تعالى ـ ولا موحد له ؛ لأن أولئك إنما عبدوا الأصنام رجاء أن تشفع لهم ، ورجاء أن تقربهم إلى الله ـ تعالى ـ زلفى ؛ أخبر أنها لا تقربهم (١) زلفى ، وأنهم ليسوا بموحدين ، ولا عابدين لله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) يحتمل وجهين :
أحدهما : لكم جزاء دينكم الذي دنتم ، ولي جزاء ديني الذي دنت.
والثاني : على المنابذة والإياس ، لكم ما اخترتم من الدين ، ولي ما اخترت ، لا يعود واحد منا إلى دين الآخر ، وكان قبل ذلك يطمع كل فريق عود الفريق الآخر إلى دينهم الذي هم عليه.
وقوله ـ تعالى ـ : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) ليس على الأمر ، على ما نذكر في سورة الإخلاص والمعوذتين ؛ إذ لو كان على الأمر فهو يلزم أن يقول كل واحد منا لكل كافر ذلك ، فإذا لم يلزم دل أنه ليس على الأمر.
وفي حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : قل للذين كفروا لا أعبد ما تعبدون ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ، لكم دينكم ولى دين.
وعنه أنه قال : «من قرأ هذه السورة فقد أكثر وأطنب».
وفي حديث مرفوع عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال لرجل : «إذا أويت إلى فراشك فاقرأ : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) ؛ فإنه براءة من الشرك».
وأهل التأويل يقولون (٢) : إن سبب نزول هذه ومنابذته إياهم : أن رهطا من قريش قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : هلم فلنعبد ما تعبد ، واعبد أنت ما نعبد نحن ؛ فيكون أمرنا أمرا واحدا ؛ فنزلت هذه السورة.
قال أبو عوسجة : الدين : العادة ، تقول : هذا ديني ، أي : عادتي.
ثم المعنى الذي وقع عليه التكرار لهذه الأحرف عندنا : أن التكرار (٣) حرف جرى
__________________
(١) في ب : تقرب لهم.
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٨٢٢٥) ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن مردويه عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٦٩٢) وعن سعيد بن ميناء مثله.
(٣) في ب : التكرر.