يعلم ما به المصالح ؛ فيلزمهم به أمران أيضا : التوحيد والرسالة ، ولا قوة إلا بالله.
والأصل عندنا بتمكين الشيطان ما ذكرنا من الوسوسة أن الشيطان والملك خلقان لله تعالى عرفناهما بالرسل ـ عليهمالسلام ـ وبما بيّنّا (١) من ضرورة الحاجة إلى العلم ممن بإلقائه يصير عند التصوير قبيحا أو حسنا ، فيأتيان جميعا بما مكنهما الله تعالى من الأمرين جميعا : أمر الملائكة الخير والحكمة فيسهل عليه سبيله بتيسير الله تعالى وفضله ، وأمر الشيطان الضلال والشر فييسر عليه ، حتى صار الخير للأول كالطبع ، والشر للثاني كذلك ، فإذن كان كل واحد ممكنا من الأمرين ، قال الله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى. وَصَدَّقَ ..). إلى قوله ـ عزوجل ـ : (لِلْعُسْرى) [الليل : ٥ ـ ١٠] ، وقال الله ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ ..). إلى قوله تعالى : (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) [الأنعام : ١٢٥].
ثم الأصل في الإنس أنهم امتحنوا بحقوق (٢) بينهم وبين الله تعالى وبحقوق فيما بينهم ، وكلفوا تثبيت (٣) الملائكة إياهم [بقوله](٤) عزوجل : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) [الأنفال : ١٢] وأمروا برد ما يوسوس إليهم الشيطان بقوله تعالى : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [فاطر : ٦] وغير ذلك.
وعلى ذلك خلقت الملائكة ممتحنين بالكتابة على البشر بقوله : (كِراماً كاتِبِينَ) [الانفطار : ١١] فتكون الحكمة في تكليف التمكين ما وصف من محنة الله تعالى إياهم طاعتهم في أنفسهم وفيما مكنوا من غيرهم ، على ما ذكرت من أمر الإنس ، وحكمة ذلك للإنس إلزام التيقظ والنظر فيما يقع في قلبه من الخواطر ؛ ليعلم الذي له و (٥) الذي عليه.
وكذلك في تكليف الملائكة كتابة قوله وفعله ؛ ليكون متيقظا ومتنبها في كل أفعاله وأحواله كتيقظه فيما كان الأولياء والأعداء من الكاتبين الظاهرين عليه أنه يحذر كل الحذر عما يؤذي وليه ، ويقبل على كل أمر فيه نفع (٦) بما أمّل ، ويحذر عدوه أشد الحذر ؛ لئلا يؤذيه من حيث لا يعلم ، فيتهمه كل تهمة. ثم معلوم ألا يمل الكتبة إلا بعد إحكامه وإصلاحه غاية ما يحتمل الوسع ، فعلى ذلك فيما خفي ؛ إذ هم في العقول في درك ما منهم وما عليهم كالذين ذكر (٧) لهم ممن ظهروا لأبصارهم ، والله الموفق.
__________________
(١) في ب : بعاقلنا.
(٢) في ب : الحقوق.
(٣) في ب : بتثبيت.
(٤) سقط في أ.
(٥) في أ : من.
(٦) في الأصول : يقع.
(٧) في أ : ظهر.