الصدور ، وقد مكنّا (١) بحمد الله تعالى ومنّه لندرك منه ، وإنما علينا التيقظ لما يقع في الصدور من أفعاله ووساوسه لندفع بما مكننا الله تعالى [و] عزوجل من الأسباب ، وعرفنا من الحجج نقض الباطل والتمسك بالحق ، كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا) [الأعراف : ١٠٢] وتوجهوا (٢) إلى الله تعالى بالتعوذ في طلب اللطف الذي جعله الله تعالى للدفاع ، كقول يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ..). الآية [يوسف : ٣٣] ، على العلم فيه بطوائف الأشياء من المجعول لدفع كيدهن ، وكذلك قول الراسخين في العلم : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ..). الآية [آل عمران : ٨].
لكن من الناس من يقول : هو يعلم النفس فيما تهوى فيزين لها ذلك ، والعقل فيما يدعو من ذلك فيمنعه عن ذلك.
ومنهم من يقول : لا ، لكن في ذلك آثار من الظلمة والنور والطيّب والخبيث ، فيعرف بالآثار وفيها موقع وسواسه حتى يصل إلى الفعل (٣) ، وقد يكون عمل الهوى والعقل جميعا في الجسد وخارجا منه ، وبخاصة آثار الأعمال.
ومنهم من يقول : ليس له بشيء من ذلك علم ، لكن بكل ما يرجو العمل من التغرير أو في التمويه والتلبيس كالأعمى فيما يمس ويطلب المضار من المنافع ونحو ذلك ، لكن ذلك كله طريق عمل الشيطان وطريق إمكانه وحيله ، وذلك أمر لم نؤمر (٤) بمعرفته ، وإنما علينا مجاهدته في منع ذلك بالتيقظ أو بدفعه بما نتذكر ، هكذا ذكرت في الآيات ، أو بالفزع إلى الله سبحانه وتعالى في دفعه ومنعه إن حضر بما عنده من اللطائف التي لديها يقع الأمن عن الزيغ والظفر بالرشد.
وتأول كثير منهم أنه يوسوس في صدور الجن كما يوسوس في صدور الناس ، وذلك ممكن ؛ لما قد يكون من كل جنس ضلّال وغواة وأخيار وأبرار ، فأما حق تأويل السورة على ما وصفنا في ذكر وسواس الجن والإنس.
ثم القول في المعوّذتين أنهما من القرآن أو ليستا من القرآن ، قال الفقيه ـ رحمهالله ـ : لنا من أمرهما أنهما انتهتا بما انتهت إلى أهل هذا العصر معرفة القرآن في الجمع (٥) بين
__________________
(١) في ب : مكننا.
(٢) في ب : ويرجعوا.
(٣) في ب : العقل.
(٤) في الأصول : نؤمن.
(٥) في أ : الجميع.