اللوحين بتوارث الأمة ، ولسنا نحن ممن يعرف بالمحنة والسير (١) بما به نعلم أنهما معجزتان أو لا ، وإنما حق ذلك الأخذ عن أهل ذلك والشهادة [له](٢) بعد الثبات أنه من القرآن وأنه معجز ، حقّ أمثالنا فيه الاتباع (٣) ، وقد اتضح بما به جرى التعارف في جميع الشرائع التي بها يشهد أنها عن الله تعالى وأنها حق ، فعلى ذلك هذا.
لكن ذكر عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه لم يكتبها في مصحفه ، وذلك عندنا يخرج على وجهين :
أحدهما : أنه لم يكن سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال فيهما شيئا أنهما من القرآن أم لا ، ولم يكن أيضا رأى على نفسه السؤال عن ذلك حقّا واجبا ؛ لأن القرآن وما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما يلزم علم الشهادة والعمل به واحد ؛ إذ المقصود من كل ذلك القيام بالمقصود من حق الكلفة لا التسمية ، ولم يكن النجباء يمتحنون أنفسهم بالسير (٤) في الوجوه التي بها يعرفون المعجز من غير ذلك أنه قرآن أو غيره ، وإنما ذلك من عمل المرتابين الشاكين في خبر الرسول صلىاللهعليهوسلم ليعرفوا أنه مبعوث مرسل ، فأما من تقرّر عنده واطمأن به قلبه وزال عنه الحرج فيما آتاهم فقد كفوا ذلك ، وكذلك يجوز ترك البحث عن ذلك لما ذكرت ، لا أن عنده أنهما ليستا من القرآن ، وفي خبر عقبة الجهني أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لأصحابه : «نزل اليوم آيات لم ير مثلهن قط» قيل : ما هن يا رسول الله؟ فقال : «المعوذتان» ، دل أنهما من القرآن.
وأيد أيضا ما ذكرت في ترك الكتابة ما روي عن أبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لنا : «فقولوا» ، فنحن نقول بقول لم يشهد في تلك بأنهما منه ولا ليستا منه بما لم يكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخبره بهما ، فعلى ذلك أمر عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه.
ويؤيد ذلك أيضا أمر استعاذة القرآن أنها مقدمة (٥) على القراءة ، وحق هاتين السورتين لو كانتا منه بيقين (٦) أن تكونا (٧) في افتتاح المصحف كالاستعاذة للقرآن ، فهذا أيضا بعض الذي يمنع [العلم](٨) بحقيقة ذلك عنه ، وقد بينا جواز وجه الإشكال مع ما كان الإنزال
__________________
(١) في الأصول : الستر.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : الإيقاع.
(٤) في أ : الستر.
(٥) في ب : متقدمة.
(٦) في أ : يتعين.
(٧) في أ : يكون.
(٨) سقط في أ.