نقول في الوعيد المذكور في أهل الإيمان : إنه يجوز أن يلحقهم وقت إيمانهم ، ويعذبهم الله تعالى بإجرامهم.
ويحتمل أن يقع لهم الوعيد إذا خرجوا من الإيمان ، وهم يقطعون الوعيد عن (١) أحد الوجهين ويجعلونه على الوجه الآخر ، ونحن نلزمهم الوعيد إذا خرجوا من الإيمان ، [ولا ننفي](٢) الوعيد عمن لم يخرج بعد من إيمانه ، فصرنا نحن أشد استعمالا لما يقتضيه ظاهر الآيات منهم ؛ فصار العموم حجة عليهم لا علينا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ).
ليس في هذا نفي قبول العذر لو كان لهم عذر ، ولكن اعتذارهم هو الندم عما كانوا فيه والإنابة إلى الله تعالى والتوبة إليه ، وليس ذلك وقت قبول التوبة ؛ لأن [ذلك الوقت هو](٣) وقت خروج ملك أنفسهم عن أنفسهم ، فلا يقبل في ذلك الوقت إيمان ولا عمل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
يعني : أن عملكم السوء هو الذي ألزمكم العذاب في الحكمة ؛ فتجزون بعملكم ولستم تجزون بمنفعة ترجع إلينا أو بما حملتم من أوزار الغير ، ولكن بأعمالكم الخبيثة التي في الحكمة التعذيب عليها ، وفي هذا دلالة نفي العذاب عن أطفال المشركين ؛ لأنه لم يوجد منهم عمل ؛ فيجزون بعملهم ، ولا يجوز أن يعذبوا بذنوب (٤) آبائهم ؛ لأنه أخبر أن كلّا يجزى بعمله لا بعمل غيره ، والله أعلم.
وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً).
ففي هذه الآية إلزام التوبة على بقاء اسم الإيمان ؛ لأنه ألزمهم التوبة بعد أن سماهم مؤمنين ، وأخبر أنه يكفر عنهم سيئاتهم بالتوبة ، ومن مذهب الاعتزال : أن الصغائر مغفورة لأربابها إذا اجتنبوا الكبائر ؛ فلا يحتاجون إلى التوبة عنها ، وإذا كان كذلك فالآية في الكبائر عندهم ، والكبائر تخرج أهلها ـ على قولهم ـ من الإيمان ، والله ـ تعالى ـ قد أبقى لهم اسم الإيمان ، فمن أزال عنهم الإثم ، فقد خالف نص القرآن.
وإن زعموا أن الآية في الصغائر ففيه دلالة على أن الله تعالى يعذب على الصغائر وأنها
__________________
(١) في ب : من.
(٢) في ب : ولم يبق.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : بعمل.