فجائز أن يكون [هذا](١) وصفهم : أنهم خلقوا غلاظا شدادا.
وجائز أن يكونوا أشداء على الكفار وأعداء الله تعالى ، رحماء على أوليائه ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) ، فبين أن اشتدادهم ؛ لمكان الأمر ؛ وهو كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح : ٢٩] ، وصفهم بالشدة على الكفرة وبالرحمة على المؤمنين ؛ فجائز أن يكون الملائكة كذلك في الآخرة ، وفي هذا دلالة أن الملائكة امتحنوا بالأمر والنهي في الآخرة ؛ لأن ملائكة الرحمة امتحنوا بإتيان التحف والكرامات إلى أهل الجنة ، [وملائكة العذاب](٢) امتحنوا بتعذيب أهل النار وبالغلظة عليهم والشدة ، وإذا أمر كل واحد من الفريقين بما ذكرنا ، فقد نهي عن تركه.
قال أبو بكر الأصم : في قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) ، وفي قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ..). الآية إلزام الوعيد بأهل الصلاة [لأنه ألزمهم](٣) الاتقاء من النار ، وألزمهم (٤) التوبة ؛ ليكفر عنهم سيئاتهم ، ولو لم يكن الوعيد لازما عليهم لم يكونوا يحتاجون إلى الاتقاء ، وهذا منه ومن جملة أهل الاعتزال تحريف الكلام عن مواضعه ؛ لأن الله تعالى ذكر هذا الوعيد في أهل الإيمان بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) ، وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) ، ولم يذكر الله ـ تعالى ـ أهل الصلاة ، ولا ألحق بهم الوعيد ، فهم يقطعون الوعيد عمن ألحق الله تعالى بهم الوعيد وهم المؤمنون ، ويلزمونه على من لم يجر ذكره في القرآن [من أهل الصلاة](٥) ولا ألحق به الوعيد ، وهذا تحريف الكلام (٦) وقلب القصة ؛ ولأنه صار من أهل الصلاة بإيمانه ؛ إذ لو لا إيمانه لما كان هو من أهل الصلاة ، فإذا ألحقوا الوعيد بأهل الصلاة فقد ألحقوه بأهل الإيمان ؛ فلم يبق بيننا وبينهم إلا سوء الخلق ، وإلا فلا معنى لقلبه (٧) عن أهل الإيمان وإلحاقه بأهل الصلاة ، وأهل الصلاة هم أهل الإيمان.
ثم الوعيد على قولهم إنما يلزم أهل الإيمان في وقت خروجهم من الإيمان ، ونحن
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : وملائكة أهل النار.
(٣) في ب : لأنهم ألزموا.
(٤) في ب : وألزموا.
(٥) سقط في أ.
(٦) في ب : الكتاب.
(٧) في ب : لقلته.