يحتمل أن يكون معناه : قوا أنفسكم مما تدعو إليه أنفسكم ؛ لأن الأنفس (١) تأمرهم بالسوء وتدعوهم إليه ؛ كما قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) [التغابن : ١٤].
وجائز أن يكون قوله تعالى : (قُوا أَنْفُسَكُمْ) ، أي : قوها عن الطريق الذي إذا سلكتموه أفضى بكم إلى النار ، وقوا أهليكم ـ أيضا ـ عن ذلك الطريق ، وذلك يكون بالعمل ؛ لأن العمل على ضربين : عمل يفضي بصاحبه إلى الجنة ، وعمل يفضي بصاحبه إلى النار ، فيكون التقوى في هذا الوجه راجعا إلى الأعمال ، وفي الوجه الأول إلى الأنفس.
ويحتمل قوا أنفسكم باكتساب الأسباب التي هي أسباب النجاة عن العطب والهلاك ، وأهليكم في أن تعلموهم الأسباب التي هي أسباب الخلاص من النار.
وقال مجاهد : تأويله : قوا أنفسكم [وأهليكم](٢) النار (٣) ، ثم علمنا وجه الاتقاء بقوله : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ) [البقرة : ٢٠١].
قال : من التضرع إليه والفزع لديه ؛ ليكون هو بفضله يقي عنا النار ؛ لما علم ألا نصل إليه بقوى أنفسنا وحيلنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ).
فهذا على المبالغة في وصف شدة النار ، وأخبر أن شدتها تنتهي إلى هذا في أن صير الناس وقودا لها وكذلك الحجارة ، والناس والحجارة لا يتقدان في النار ؛ لأن النار إذا عملت في الإنسان حرقته ولم تبقه (٤) ؛ فلا يصير وقودا ، وكذلك إذا أصابت الحجارة رضّتها ولاشتها ، فيكون فيه تبين شدتها ؛ إبلاغا في الزجر.
وجائز أن يكون أريد بالحجارة : التي اتخذوها أصناما يعبدونها من دون الله ، فكانوا يعبدونها لتنصرهم وتدفع عنهم العذاب ؛ كما قال تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ) [يس : ٧٤] ، وقال : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا. كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) [مريم : ٨١ ، ٨٢] ، أي : تصير (٥) عذابا عليها ، وهم رجوا أن تكون سببا لخلاصهم ؛ فصارت عليهم ضدّا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ).
__________________
(١) في ب : النفس.
(٢) في ب : ولتقى أهلوكم.
(٣) أخرجه ابن جرير بنحوه (٣٤٤٤٠).
(٤) في أ : ينفذ.
(٥) في أ : يصيروا.