حجتنا قوله تعالى في سورة النساء : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ٩٥] فلو كان فرضا على الجميع لما فاضل بينهما ، ولما وعد الله الحسنى للقاعد ؛ ولأنه تعالى جعلهم مؤمنين جميعا.
وقال تعالى في سورة التوبة : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) [التوبة : ١٢٢] ولأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يخرج للغزو إلا وترك البعض من الناس ، وفي الحديث : (أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم بعث إلى بني لحيان ، وقال : «ليخرج من كل رجلين رجل» ثم قال للقاعدين : أيكم خلف الخارج في أهله ، وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج) ولأنه لو كان فرضا على الأعيان اشتغل الناس عن طلب المعاش ، وذلك يؤدي إلى الهلاك.
أما إذا دخل الكفار دار الإسلام ، ولم يكن ثم من يكفي بدفعهم تعين على الجميع ، قال مالك ، وأصحاب الشافعي : وأقل ما يجزي في السنة مرة ؛ لأنه بدل عن الجزية ، وهي تؤخذ في السنة مرة إلا لعذر ، وهذا عام في الكفار الذين هم أهل حرب ، وعليه قوله تعالى في هذه السورة : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) [البقرة : ١٩٣] قال في النهاية : وذلك وفاق إلا رواية عن مالك : أنه لا يجوز ابتداء الحبشة والترك بالحرب لما روي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : «ذروا الحبشة ما ذرؤوكم» وقد سئل مالك عن صحة هذا الأثر ، فلم يعترف بذلك ، لكن قال : لم يزل الناس يتحامون غزوهم.
ثم إن الآية لم تفصل بين أن يكون ثمّ إمام أم لا ، وسيأتي الخلاف وسببه إن شاء الله تعالى.
ودلت الآية على أنه لا يجوز الاعتداء ، وقد فسر بابتداء القتال إن قلنا : إنها منسوخة وقيل : في الاعتداء : إنه قتال من نهينا عن قتله ، من