ومن لزمها لحق ، خذها إليك يا محمد» (١).
فكما أنّ الكتاب التكويني طبق الكتاب التشريعي ، (فيه تبيان كل شيء) (٢) ، فكذلك النسبة بين فاتحتهما ، ولذا فضلت الفاتحة على جميع السور ، وخصت بها الصلاة التي هي إنسان العبادات ، لاشتمالها على العبادة القولية والفعلية ، والحالية والبالية ، والذكرية والفكرية ، وغيرها من الحقائق التي سنشير إليها إن شاء الله.
ولذا قال : «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» (٣) ، ولعل من بطونها أن لا وصول إلى الله لأحد من الأنبياء والأولياء ، من الأولين والآخرين ، ومن الملائكة المقربين ، إلا بواسطة التوسل بنينا وآله صلى الله عليهم أجمعين ، والاستشفاع بهم (٤) ، فإنه
__________________
(١) الكافي : ج ١ ، ب ١٦٩ ، ص ٤٤١ ، ح ٥.
(٢) اقتباس من آية ٨٩ في سورة النحل : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ).
(٣) مستدرك الوسائل : ج ٤ ، ص ١٥٨ ، ح ٥ ، رقم : ٤٣٦٥.
(٤) أورد المجلسي قدسسره روايات دالة على ما ذكر ، منها ما عن الصادق عليهالسلام :
«أتى يهودي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقام بين يديه يحد النظر إليه ، فقال : يا يهودي ما حاجتك؟ قال : أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه الله وأنزل عليه التوراة ، والعصا ، وفلق له البحر ، وأظله بالغمام.
فقال له النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنه يكره للعبد أن يزكي نفسه ، ولكني أقول : إن آدم لما أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال : اللهم إني أسئلك بحق محمد وآل محمد لما غفرت لي فغفرها الله له ، وأن نوحا لما ركب في السفينة وخاف الغرق قال : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني من الغرق فنجاه الله عنه ، وأن إبراهيم لما ألقي في النار قال : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني منها فجعلها الله بردا وسلاما ، وأن موسى لما ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة ، قال : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما آمنتني ، فقال الله جل جلاله : لا تخف إنك أنت الأعلى.
يا يهودي! إن موسى لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئا ، ولا نفعته النبوة ، يا يهودي! ومن ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسى بن مريم عليهالسلام لنصرته ، فيقدمه ويصلي خلفه». البحار : ٢٦ ، ص ٣١٩.