وقد قيل : إن العرب تسمي كل جامع أمر أو متقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه أما ، فيقولون : أم الرأس للجلدة التي تجمع الدماغ ، وأم القرى لمكة لأن الأرض دحيت من تحتها (١).
وقيل : سميت لأن سور القرآن تتبعها كما يتبع الجيش أمّه وهي الراية.
__________________
والعبادة التي تحيي التوحيد ، وبيان سبيل السعادة في الدنيا والآخرة ، وقصص الواقفين عند حدود الله أي المؤمنين واخبار المتجاوزين عن حدود الله.
فالحمد لله إشارة إلى التوحيد ، وبسم الله ... إشارة إلى الوعد بالرحمة ومالك يوم الدين إشارة إلى الوعد والوعيد كليهما ، وإياك نعبد إشارة إلى العبادة ، والصراط المستقيم إشارة إلى سبيل السعادة. فالفاتحة جديرة بأن تسمى أم الكتاب كما أن النواة أم النخلة.
(١) قال الطريحي في «مجمع البحرين» في ذيل كلمة (أمم) قوله تعالى : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ) الآية ، يعني في أصل الكتاب ، يريد اللوح المحفوظ وأم الكتاب أيضا فاتحة الكتاب ، وسميت أما لأنها أوله وأصله ، ولأن السورة تضاف إليها ولا تضاف هي إلى شيء ، وقيل : سميت أما لأنها جامعة لأصل مقاصده ومحتوية على رؤوس مطالبه ، والعرب يسمون ما يجمع أشياء متعددة أما كما يسمون الجلدة الجامعة للدماغ وحواسه أم الرأس ، ولأنها فذلكة لما فصل في القرآن المجيد لاشتمالها على المعاني في القرآن من الثناء على الله بما هو أهله ، ومن التعبد بالأمر والنهي ، والوعد والوعيد ، فكأنه نشأ وتولد منها بالتفصيل بعد الإجمال ، كما سميت مكة أم القرى لأن الأرض دحيت منها.
وقال الشيخ البهائي قدسسره في «العروة الوثقى» : وجه اشتمال هذه السورة الكريمة على مقاصد الكتاب العزيز إما أن تلك المقاصد راجعة إلى أمرين : هما الأصول الاعتقادية والفروع العملية ، أو هما معرفة عز الربوبية وذل العبودية ، وإما إنها ترجع إلى ثلاثة هي : تأدية حمده وشكره جل شأنه ، والتعبد بأمره ونهيه ، ومعرفة وعده ووعيده ، وإما إلى أربعة هي : وصفه سبحانه بصفات الكمال والقيام بما شرعه من وظائف الأعمال ، وتبين درجات الفائزين بالنعم والأفضال ، وتذكر دركات الهاوين في مهاوي الغضب والضلال ، وإما إلى خمسة هي : العلم بأحوال المبدأ والمعاد ، ولزوم جادة الإخلاص في العمل والاعتقاد ، والتوسل إليه جل شأنه في طلب الهداية إلى سبيل الحق والسداد ، والرغبة في الاقتداء بالذين ربحت تجارتهم بإعداد الزاد ليوم التناد ، والرهبة من اقتفاء أثر الذين خسروا أنفسهم بترك الزاد وإهمال الاستعداد ، ولا مرية في تضمين هذه السورة الكريمة جميع هذه المطالب العظيمة.