بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.
وإنما نال ما نال من القرب والكرامة بحقيقة العبودية التي أركانها ثلاثة :
فالعين علمه بالله (١) ، لأنه نفس العلم الفعلي المخلوق الواقع على المعلوم المشار إليه بقوله : فلما خلق الأشياء وقع العلم منه على المعلوم ، والسمع على المسموع ، والبصر على المبصر (٢).
والباء : بونه عن الخلق وانقطاعه عنهم ، لعلمه بأنهم لا يملكون له نفعا ولا ضرا ، وبأنهم فقراء محتاجون أذلاء ، فكيف يسأل محتاج محتاجا ، وأنى يفزع معدوم إلى معدوم.
وبينونة العالي سيما الواقف (٣) على التطنجين ، والناظر في المشرقين عن السافل بينونة صفة وافتقار ، لا بينونة عزلة وانقطاع ، فإن له قوسي الإقبال والإدبار ، وصفتي الاستفاضة والإفاضة.
والدال دنوه من الخلق لأنه باب حطة الوجود ، وأول عابد للمعبود (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) (٤) ، وهذه الأركان قد أشار إليها الصادق عليهالسلام (٥).
__________________
(١) إشارة إلى ما نقل عن الإمام الصادق عليهالسلام كما في «شرح الزيارة الجامعة» : ج ١ / ٣٠٨ : قال الصادق عليهالسلام في تفسير قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) : «العين علمه بالله ، والباء بونه من الخلق ، والدال دنوه من الخالق بلا إشارة ولا كيف» ٩. ـ ونقل أيضا في مصباح الشريعة باب ١٠٠ في حقيقة العبودية
(٢) بحار الأنوار : ج ٤ / ٧١ ، عن التوحيد وفيه : فلما أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم ...
(٣) المراد به أمير المؤمنين عليهالسلام كما نقل عنه في «مشارق أنوار اليقين» في خطبة سماها الطتنجية ، لما فيه : «أنا الواقف على طتنجين أنا الناظر إلى المغربين والمشرقين».
(٤) الزخرف : ٨١.
(٥) تقدم نقله عن شرح الزيارة للشيخ أحمد الاحسائي : ج ١ ، ص ٣٠٨ ، ومصباح الشريعة :