العبودية محولة على معرفة حقيقة الربوبية بأحد المعنيين ، فبعد الاطلاع عليها يعثر حينئذ على ما فقده من العبودية ويطلع عليه ويصير خبيرا على ما فقده من شرائطها وأطوارها.
وما خفي عن الربوبية وأشكل عليك الإحاطة بمقامها بأحد المعنيين أصيب العلم به في مرحلة العبودية بأن تعبد وتطيع بقدر علمك ، كما قال عليهالسلام : «من عمل بما يعلم ورّثه الله علم ما لم يعلم» (١).
فحاصل الكلام أنّ كنه العبودية هو المشي على طريقة الربوبية ، ولو كان على وجه المشابهة فما وصل إليه عقلك في استدراك طريقة الربوبية ، فالعمل عليه هو نفس العبادة ، والمشي عليه هو المشي على طريقة العبودية ، وما لم يصل إليه عقلك من طريقة الربوبية فعليك بالعمل فيما عرفته من العبودية فإنه يوصلك إلى ما لم تعرفه من الربوبية التي هي كنهه وأصله فتصير بعد ذلك كاملا في العبودية واصلا إلى كنهها وهو المشي على طريقة الربوبية بأحد المعنيين.
ثم ذكر أن المراد من الاستشهاد بالآية الاستدلال بقوله : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٢) على أنه سبحانه موجود في غيبتك وحضرتك ، يعني أنّ حقيقة العبودية وكنهه هو التشبّه بالرب ، والتخلّق بأخلاقه ، أو التربب على القوتين كي يحصل بذلك التجرد وقطع العلائق وصرف النظر عما سوى الله والانقطاع إليه بشراشره.
ووجه كون حقيقة العبودية ذلك ولزوم بلوغ العبد في العبادة إلى هذه المرتبة أنه تعالى شهيد على كل شيء وموجود ورقيب في حال حضورك مع الله ، وحال غيبتك وغفلتك منه ، يعني إذا كان الله مع العبد بهذه المثابة من القرب
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٤٠ / ١٢٨.
(٢) فصلت : ٥٣.