وأما ما ذكره في معنى الخبر فبعيد جدا خصوصا بعد التعبير بالكنه ، وتفريع الوجدان والفقدان عليه.
ولعل فيما أشار إليه من المعاني البعيدة عن الأذهان كفاية وبلاغا لو وجد مساغا للبيان.
ومنها ما ذكره الفاضل المحقق القمي صاحب «القوانين» قدسسره حيث سئل عن ذلك ، فأجاب قدسسره عنه بقوله : «إن العبودية يحتمل كونه مصدرا من صفة الذات بمعنى كون الشخص عبدا أو صيرورة الشخص عبدا ، ويمكن أن يكون مصدرا لصفة الفعل مثل عابد ، وحينئذ فالمراد كون الشخص عابدا ، أو صيرورته عابدا متعبدا أو مطيعا.
والربوبية تحتمل المعاني الثلاثة ، فالمعنى أن ماهية العبودية وحقيقة إطاعة العبد وانقياده لمولاه جوهرة ، يعني خصلة نفيسة عزيزة ، تشبيها لها بالجواهر العالية الثمنية ، كنهها يعني ذاتها وجوهرها وما به قوامها الربوبية ، يعني التشبه بالرب والتخلّص بأخلاقه في جميع صفاته وأفعاله حتى في الخلق والإيجاد ، لا بمعنى خلق الأجسام بل بمعنى إحياء النفوس وإيلادها بالتعليم والإرشاد (وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) (١) ، أو المراد صيرورته ربا لقواه البهيمية ، ومالكا لها ، ومسلطا عليها بالرياضات والمجاهدات ، فإذا فعل ذلك فيصل له حقيقة العبودية يعني لا يحصل حقيقة العبودية إلا مع حصول حقيقة الربوبية بأحد المعنيين اللذين هما التشبه بالرب في صفاته والتربب على قوتيه الشهوية والغضبية ، فما فقد من العبودية بعد التدبر والتفكر في حقيقتها والفحص عن أركانها ومقدماتها وأجزائها بأن لم يبلغ إليه فطنته ولم تصل إليه معرفته وجد في الربوبية ، فإن معرفة حقيقة
__________________
(١) المائدة : ٣٢.