ينتهي إلى المطلق ، كما أن المشية الجزئية تنتهي إلى الكلية التي هو العقل.
ثم إنّك إذا تتبعت أنحاء الموجودات وتطوّر الكائنات وجدت في كل نوع من أنواعها أو جنس من أجناسها صفة غالبة يختص بها ، بحيث كأنّه صار مظهرا لها من بين سائر الموجودات ، ولذا لا يكاد يفقدها فرد من أفراده.
وأما الإنسان فهو الجامع لجميع هذه الصفات والأطوار بحسب القبول والاستعداد ، ولذا يتصف بها أفراده على وجه الجمعية أو التوارد أو الاختصاص الناشي من الفعل لا الذات لبقاء قبول غيرها ، بل فعلية غيرها في غيره من الإفراد ، ولذا ترى فيه خاصية الملائكة من الطاعة والحياة ، بل التقوى والانتعاش والتغذي بالعبادة ، والخاصية الكلية لجميع الحيوانات من جلب المنفعة ودفع المضرة إمّا قهرا وغلبة كالسباع ، وهم الملوك والجبابرة والفراعنة ، الذي يسعون في الأرض علوا وفسادا ، أو تملّقا كالكلاب والهرّة ، أو حيلة كالعنكبوت والثعلب ، ففيهم الزاهد العابد كالملائكة ، والطاغي المتمرد كالشياطين والخناس في صدور الناس كالوسواس ، والشجاع القوي المتهوّر كالأسد ، والمتكبر المتنمّر كالنمر ، والجبان كالأرنب ، والسخي كالديك ، والبخيل كالكلب ، والمتسلح كالقنفذ ، والهارب كالطير ، والفخور كالطاووس ، والسارق الموذي كالفأرة ، والوحشي كالنمر ، والأنيس كالحمام ، والحقير كالحمار ، والصانع المهندس كالنحل ، والسليم كالغنم ، والحمول كالبقر ، والحقود كالجمل ، والحريص كالخنزير ، والجامع الذخار كالنمل ، والشموس كالبغل ، والمبارك كالطوطي ، والشوم كالبوم ، إلى غير ذلك من الصفات الظاهرة في مظاهر الموجودات المجتمعة في المؤخر الجامع الذي هو الإنسان ، ولذا كان مظهرا في كينونته للمقدم الجامع الذي هو اسم الله ، لاحتوائه على جميع النشآت والتجليات ، وقابليته للتعرض لقاطبة النفحات ، وتوسطه بين العوالم الخمس الكلية التي يعبر عنها بالحضرات ، لا على الوجه الذي فسّرها الصوفية من أن أولها حضرة