المعدة الهاضمة للطّعام ، والشّهوة الرّاغبة إلى أكله ، والقوى النّاهضة لذلك ، والآلات المعدّة لنقله وطحنه وعجنه وطبخه وغير ذلك ، وما يتوقّف عليها من الخشب والحديد والنّجار والحدّاد والأرض الّتي يقومون عليه ، والهواء الّذي يتنفّسون به ، والفلك الّذى يحدّد جهات أمكنتهم وأزمنتهم ، والكواكب الّتي تنوّر في اللّيل والنّهار بحركاتها أكنافهم ويسخّن أطرافهم وتنضج حبوبهم واثمارهم الّتي يتغذّون بها إلى غير ذلك من الآلات والمعدّات والملائكة الموكّلة بذلك ووسائط فيوضهم فما لم يخلق الله هذه الأشياء لم يحصل الانتفاع بتلك الحنطة فخالق تلك الحنطة والممكّن لنا من الانتفاع بحفظ هذه الأسباب حتّى يحصل الانتفاع هو الرّاحم.
أقول لا يخفى عليك ضعف هذه الوجود ، وعدم مطابقتها للمدّعى رأسا ، إذا المدّعى كما صرّح به كون إطلاق الرّحمة على غيره سبحانه مجازا وأين هذا من إثبات أنّ الفيوض كلّها من الله ابتداء وأصالة وإن جرت على أيدى الخلق من حيث التوسّط وقيوميّة الحقّ.
على أنّ هذا لا اختصاص له بالرّحمة بل يجرى في جميع الأفعال الاختياريّة الّتي تصدر من العبيد بحسب الظّاهر حسب ما يؤمي إليه ، دليله الثّاني ، وفي خصوص الخيرات على بعض الوجوه وكان مراده وإن لم يساعده عنوانه بيان قيوميّة الحقّ سبحانه ، وأنّ الكلّ منه وبيده ، هو المالك لما ملكهم ، والقادر على ما عليه أقدرهم ، لكن في بعض ما ذكره بعض المناقشات وان اشتمل أيضا على بعض الفوائد ولذا حكيناه بطوله.
وامّا انّ أفعال العباد هل هو منهم على وجه الاستقلال أو من الله كذلك أو منهما على وجه التبعيّة أو الألية أو القيّوميّة أو الإشراق والافاضة أو غير ذلك فلا يناسب المقام بسط الكلام فيه فارتقبه في موضعه إن شاء الله.