الظّاهرة في كونها على وجه الحقيقة بل لعلّها مقطوعة نعم ذكر بعض الأعلام في المقام أنّ إطلاق الرّحمة على غيره مجاز رأسا واستدلّ بوجوه :
الأوّل : انّ الجود إفادة ما ينبغي لا لعوض وكلّ أحد غير الله لا يعطى شيئا إلّا ليأخذ عوضا ، لأنّ الأعواض والأغراض بعضها جسمانيّة وبعضها حسيّة وبعضها خياليّة وبعضها عقليّة ، فالأوّل كمن أعطى دينارا ليأخذ ثوبا ، والثّاني كمن يعطى المال لطلب الخدمة والإعانة ، والثالث كمن يعطيه لطلب الثّناء الجميل ، والرّابع كمن يعطيه لطلب الثّواب الجزيل ، أو لإزالة حبّ الدّنيا من قلبه ، وهذه الأقسام كلّها أعواض ، فيكون ذلك الإعطاء بالحقيقة معاوضة ومعاملة ، ولا يكون جودا ولا هبة ، وأمّا الحقّ تعالى فهو لمّا كان كاملا في ذاته وصفاته فيستحيل أن يعطى شيئا ليستفيد به كمالا وهو الجواد المطلق والرّحم الحقّ ، وهذا إنّما يتمّ على مذهب أهل الحقّ القائلين بأنّه تعالى تامّ الفاعليّة بحسب ذاته وصفاته ، لا يعتريه قصد زائد ، ولا لفعله غاية سوى ذاته ، وكان صدور الأشياء منه على سبيل العناية والفيض دون القصد والروية.
الثّاني : انّ كلّ ما سوية ممكن الوجود بحسب مهيّته والممكن مفتقر في وجوده إلى إيجاد الواجب إيّاه ابتداء إذ إمكان الشيء علّة احتياجه إلى المؤثّر الواجب وكلّ رحمة تصدر عن غير الله فهي إنّما دخلت في الوجود بإيجاد الله ، لا بإيجاد غير الله إذ ليس لغيره صفة الإيجاد بل إنّما شأن غيره الاعداد والتّخصيص في الاستناد فيكون الرّاحم في الحقيقة هو الله.
الثالث : إنّ فلانا يعطى الحنطة مثلا ولكن لا يقع الانتفاع بها ما لم يحصل
__________________
مائة رحمة جعل منها رحمة واحدة في الخلق كلّهم فبها يترحّم الناس ...» البحار ج ٤ / ١٨٣ وج ٨ / ٤٤ وج ٩٢ / ٢٥٠.