الملك بالضمّ قد يكون بالتغلّب وغير الاستحقاق بخلاف الملك بالكسر ، وانّ المملوك لا يقدر على شيء وهو كلّ على موليه بخلاف الرّعيّة ، فلهم التّصرف في أمورهم فسلطنة المالك أقوى ، لأنّه مالك الرّقبة والملك ملك الرّعيّة ورحمته أوسع إذ لا يختار الملك إلّا القوىّ الصّحيح المنتفع به ، ولذا قيل : إنّ المالك نافع والملك طامع ، وانّ المنساق من المالك هو الرّحمة والعناية ومن الملك هو الهيبة والسّياسة ، والمرجوّ المناسب للمقام الموعود لكافّة الأنام يوم القيمة هو الأوّل ، وأنّ زيادة الحروف مع إيجابه فضل الثّواب إذ يعطى القارى بكلّ حرف عشر حسنات ، تدلّ على زيادة المعاني أيضا وأنّه الأوفق بقوله تعالى : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) (١) فانّ اختصاصه سبحانه بالأمر بعد نفى المالكيّة من غيره يشعر بانّ المراد بالأمر الملك وإثبات الملك له في هذا اليوم هو المقصود بقوله : مالك يوم الدّين وانّ الملك يملك من بعض الوجوه مع قهر وسياسة ، والمالك يملك على كلّ حال وبعد الموت له الولاء ، وأنّ الحقّ سبحانه يمدح بكونه مالك الملك بضمّ الميم في قوله : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) (٢) ولم يمدح بكونه ملك الملك بالكسر ، وحيث إنّ ـ الملك بالضمّ أشرف فالمالك أولى ، فانّ الملك بالضمّ كما قيل وإن كان يرجع مع الملك بالكسر إلى أصل واحد وهو الرّبط والشّدّ كقولهم : ملكت العجين اى شددته وقوله : ملكت بها كفّى فأنهرت فتقها (٣) أى شددت بالطّعنة كفّى لكنّ المراد به نسبة من قام به ومن تعلّق به ، وإن شئت قلت صفة قائمة بذاته متعلّقة بالغير تعلّق التّصرف التّام المقتضى استغناء المتصرّف وافتقار المتصرف فيه ، ولهذا لا
__________________
(١) الإنفطار : ١٩.
(٢) آل عمران : ٢٦.
(٣) قائله قيس بن الحطيم الأوسى ، ومصراعه الآخر : يرى قائم من دونها ما ورائها. لسان العرب في مادّة نهر.