الكليّة وبابيّته المطلقة ، وهيمنته على من سواه.
فالنظر في (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) من المعبود إلى العبادة بحيث لا يرى العبادة إلّا ويرى الله قبلها ، وفي نعبدك من العبادة الى المعبود ، فمن كان نظره الى المعبود فقد فاز بالسعادة ، ومن كان نظره الى العبادة فقد احتجب عن المعبود بالعبادة ، فإنّ العبادة من أعظم الحجب النورانيّة الّتي بين العابد والمعبود ، كما ورد : «ان لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة ، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره (١).
فالحجب غير منحصرة في الظلمانيّة الهيولانيّة الغاسقة ، بل منها حجاب العلم ، وحجاب المعرفة ، وحجاب المحبّة ، وحجاب العبادة ، وكلها من سبحات حجاب الذات الذي هو أعظم الحجب كما قيل :
فقلت وما أذنبت قالت مجيبة |
|
وجودك ذنب لا يقاس به ذنب |
فلا بدّ أن يكون النظر عند كلّ شأن من شؤون العبوديّة أو الربوبيّة الى المبدأ الأعلى الذي هو المقصد الأسنى.
ولذا قيل : من كان نظره في وقت النعمة الى المنعم لا الى النعمة كان نظره عند البلاء الى المبلى لا الى البلاء ، فيكون جميع حالاته فريقا ملاحظة الحقّ ، متوجّها الى الحبيب المطلق ، وهذه أعلى درجات السعادة ، ومعه يحصل الانس بالله والفرار عمّا سواه فيتحقّق بحقيقة الزهد المجتمعة في كلمتين من القرآن : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) (٢).
ولأنّ في تقديم المعبود الحقّ إقناطا كليّا لإبليس وغيره ممّا يعبد من دون الله من وقوع عبادته لغيره تعالى استقلالا أو تشريكا ، سيّما مع إشعاره من أجل
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٥٥ / ٤٥ باب ٥.
(٢) الحديد : ٢٣.