وخلق الهداية في العبد : (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (١).
والإثبات والدوام على الهداية : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٢).
وكثير من هذه المعاني وإن أمكن إرجاعه الى غيره بل هو راجع اليه لكن الخطب فيه سهل ، إنّما الكلام في جواز نسبتها بمعانيها كلّا أو بعضا الى الله سبحانه والعدم ، فالأشاعرة نسبوها اليه سبحانه بناء على أصلهم الباطل من نفى الحسن والقبح العقليّين ، وعدم قبح شيء عليه تعالى وجواز الجبر والتكليف بالمحال سبحانه عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا.
وأمّا على مذهب العدليّة وأصولهم فنسبتها بكثير من معانيها إليه جائزة ، بل في الجملة واجبة ، إذ من جملتها اللطف الذي أطبقت العدليّة على وجوبه في الجملة ، وإن لم يقولوا بوجوب جميع الألطاف ، بل القدر الواجب منه ما لا يمكن حصول الغرض من التكليف إلّا به ، فهذا القدر منه يشمل المطيع والعاصي ، والسعيد والشقي ، وأمّا الهداية المختصّة بالصلحاء دون الأشقياء كقوله تعالى : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٣) فالمراد بها اللطف الخاصّ الّذي لا يوجب وجوده الإلجاء والجبر ولا عدمه نقض الغرض ، وذلك لأنّه لمّا كان العباد مختلفين في إرادتهم وشئونهم ، واختباراتهم بعد ثبوت الاختيار لهم ، فإنّه (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) (٤) ـ (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) (٥) ، (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ
__________________
(١) يونس : ٢٥.
(٢) الفاتحة : ٦.
(٣) فاطر : ٨.
(٤) البقرة : ٢٥٦.
(٥) الأنفال : ٤٢.