«من أين لي الخير يا رب ولا يوجد إلا من عندك ، ومن أين لي النجاة ولا تستطاع إلا بك» (١).
ولا تتوهم أنه مجبور في أفعاله وأقواله ، أو أنه مسلوب الإختيار في أفعاله وفيما يخطر بباله ، بل التوفيق من الله والفضل من عنده والأمر كله له : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (٢).
وستسمع الكلام في فساد القول بكلا الطرفين ، وإن الصحيح هو المنزلة بين المنزلتين.
ولكن ينبغي أن تستحضر في نفسك حال الاستعاذة أن الله قد وفقك وألهمك ، وقذف في قلبك إرادة التوجه إليه ، والالتجاء به من عدوه ، وأنت تعلم أن حصن الله حصين ، وكهفه حريز متين وأن عدّوه مترصد لك حتى يختلسك ويختطفك بمكائده ومصائده ، فاشكر الله تعالى على ما ألهمك من التحصن بحصنه قبل أن يكون منك طلب ، وإن كان نفس هذا الطلب منك بتوفيقه ، فيكون الشكر موجبا لمزيد النعمة ودفع النقمة ومستدرا للتوفيقات السيالة الباعثة على التشمر عن ساق الجد للدخول في باب اللجأ إليه والتوكل عليه ، قبل أن يسبق إليك نزغات الشيطان ، أو يحول بينك وبين الرحمن حجاب الغفلة وسواد العصيان.
قال بعض العارفين : إن الشيطان قاسم أباك وأمك أنه «لهما لمن الناصحين» (٣) وقد رأيت ما فعل بهما ، وأما أنت فقد أقسم على غوايتك كما حكى الله سبحانه عنه (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٤) فما ذا ترى يصنع بك ، فشمّر عن ساق الخوف والحذر منه ومن كيده وخديعته.
__________________
(١) البحار : ج ٩٨ / ٨٢ ، دعاء أبي حمزة الثمالي.
(٢) النساء : ٧٩.
(٣) إشارة إلى آية ٢١ من سورة الأعراف وهي : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ).
(٤) سورة ص : ٨٢.