(سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ ...) بسبب ذلك لأنّ السين فيه للاستعمال لا للاستقبال.
ثانيها : قول أهل الباطن فالهداية عندهم ثلاثة أقسام : هداية العامّ ، وهداية الخاصّ ، وهداية الأخصّ ، فهداية العام بالإسلام والإيمان ، وهداية الخاصّ بالإيقان والإحسان ، وهداية الأخصّ بالكشف والمشاهدة من حيث العيان.
وقالوا : الهداية على قدر التقوى فلمّا كانت ثلاثة أقسام فكانت الهداية أيضا كذلك ، فتقوى العام عن الشرك والكفر ، وتقوى الخاصّ عن الذنب والعصيان ، وتقوى الأخصّ عن ملاحظة غير الرحمن ، وهذا طريق أهل السلف.
ثالثها : قول المتأخرين فالهداية الحقيقيّة هي الهداية من الكثرة إلى الوحدة ، ومن التفرقة الى الجمعيّة ، ومن الشرك الى التوحيد ، ومن الشكّ الى اليقين ، ومن الرياء الى الإخلاص ، ومن الوجودات المقيّدة الى الوجود المطلق ، ومن مشاهدة الخلق الى مشاهدته الحقّ .... وكلّها موقوفة على التقوى الّتي أدناها الاتّقاء عن المحرّمات ، وأعلاها الاتّقاء عن رؤية وجود الغير مطلقا.
قلت : ما حكاه في الهداية الاخروية فلا ريب أنّها بعينها الهداية الدنيوية الّتي توجب الفوز بالجنّة ، بل هي الجنّة الظاهرة في الدنيا بالصورة المثاليّة ، ولذا قال الامام عليهالسلام : الدنيا في الآخرة ، والآخرة محيطة بالدنيا والدنيا رسم الآخرة ، والآخرة رسم الدنيا ... الخبر (١).
وبالجملة ، فلا وجه لتخصيص الهداية بالهداية الاخروية الى الجنّة ، كما نبّه عليه ، ولا بأس في حمل السين على الاستقبال باعتبار ما بقي من الأعمار ، أو باعتبار مراتب القرب الّتي لا تعدّ ولا تحصى.
وامّا كون السين للاستعمال فلم أفهم له معنى واضحا.
__________________
(١) لم أظفر على مصدر له.