حتّى قال المفيد في شرح اعتقادات الصدوق : إنّ القول به من مذاهب أصحاب التناسخ ، ومنهم من دخلت الشبهة على حشوية الشيعة فتوهّموا أنّ الذوات الفعّالة المأمورة المتهيّة كانت مخلوقة في الذرّة وتتعارف وتتعقل وتفهم وتنطق ثمّ خلق الله لها أجسادا بعد ذلك فركبها فيها ، ولو كانت ذلك كذلك لكنّا نعرف نحن ما كنّا عليه وإذا ذكرناه به ذكرناه.
إلى آخر ما ذكره رحمهالله حسبما تسمع حكايته عند قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (١).
والجواب عن ذلك وعن القدح فيما ينسب إليهم من علم الغيب وغيره من غرائب الأحوال وعجائب الأفعال أنّ هاهنا مقامين لتقرير الإشكال :
أحدهما أنّ هذه المراتب والشؤون بجميع معانيها أو على الوجوه المرادة منها ليست من المراتب الإمكانية الّتي أمكن اتّصاف أحد من المخلوقين بها بل كلّها من الشؤون الإلهية الّتي تفرد بها خالق الملك والملكوت ومشاركة غيره تعالى له فيها شرك صريح مردود بحكم المعقول والأثر المنقول.
وثانيهما أنّها مراتب إمكانية ممكنة في حقّ الممكنات إلّا انّه لا دليل على ثبوتها للائمّة عليهمالسلام ، والأخبار الدالة عليه أحاد ليست بحجّة مطلقا سلّمنا لكن حجّيتها مقصورة على الفروع لا مثل هذه المسائل الّتي من الأصول أو من فروع الأصول دون الفروع ، سلّمنا لكنها فاقدة لشرائط الحجّية من صحّة السند وقوّة الدلالة والاستناد بالعمل وغيرها أو واجدة لموانعها كمخالفة الكتاب ووجود المعارض الأقوى ، وإعراض الاصحاب عن العمل بها.
امّا المقام الأوّل فالكلام فيه طويل عريض وحاصله أن هذه الشؤون
__________________
(١) الأعراف : ١٧٢.