وإن كان الغالب على القلب الصفات الملكية لم يثق القلب إلى إغواء الشيطان وتحريضه إياه على العاجلة وتهوينه أمر الآجلة ، بل يميل إلى حزب الله وتظهر الطاعة على جوارحه بموجب ما سبق من القضاء ، و «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن» (١). أي متجاذب بين هذين الحزبين أو يقلبه الله حسب إرادته كما يشاء ، فهو كالميت بين يدي الغسال.
ثم إن بعض القلوب عاكفة في مقام الترديد بالنسبة إلى جميع الشهوات وبعضها بالقياس إلى بعض الشهوات دون بعض ، كالذي يتورع عن بعض الأشياء ولكن إذا تمكن من مال حرام لا يملك نفسه فيه ، أو فيما فيه الكبر والرئاسة والجاه إلى غير ذلك ، فإن للجهل جنودا بعدّة جنود العقل وهي سبعون على ما رواه في أول الكافي عن سماعة بن مهران قال : كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام وعنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل والجهل ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : «اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا» ، قال سماعة : فقلت : جعلت فداك! لا نعرف إلا ما عرّفتنا ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : إن الله جل ثناؤه خلق العقل وهو أول خلق خلقه من الروحانيين عن يمين العرض من نوره فقال : أقبل! فأقبل ، ثم قال له : أدبر! فأدبر ، فقال الله تبارك وتعالى : خلقتك خلقا عظيما وكرّمتك على جميع خلقي ، قال : ثم خلق الجهل من البحر الأجاج الظلماني ، فقال له : أدبر! فأدبر ، ثم قال له : أقبل! فلم يقبل ، ثم قال
__________________
(١) عوالي اللئالي ك ج ١ / ٤٨ ، ح ٦٩ ، وسنن الترمذي كتاب الدعوات ن الباب (٩٠) ح ٣٥٢٢ ولفظه : قال صلى الله عليه و [آله] وسلم :
«يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله».
اختلفوا فيما هو المراد من الحديث ، قال بعض : هو مثل قوله تعالى : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) فكما لا يصح أن يقال : اليمين في الآية بمعنى الجارحة ، كذلك لا يصح أن يقال : الأصبع في الحديث مثل أصابعنا ، بل نؤمن بذلك كله ، ولا نحمله على الحقائق المعلومة عندنا بل يجب حمله على معان أخرى.