فضرب جبرئيل على فمه بالوحل وقيل له : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (١). ألم تسمع الله يقول : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) (٢).
أتدفع السيئة العاجلة بالتوبة الآجلة؟ ألم تر أن كثيرا ممن تقحم الشهوات واجترح السيئات قد تبدلت فطرتهم وتغيرت خلقتهم ، كما أشير إليه بقوله : (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) (٣) فلم يلتفتوا بعد ذلك إلى التوبة ، ولم يخطر ببالهم قبح الخطيئة ، فلما صرف الله قلوبهم وعميت أبصارهم فلم يبصروا عيوبهم ، فهل كان ذلك التغير إلا من ملازمة الشهوات ، وهل تأمن أن تكون مثلهم بعد تكرر الفعل الموجب لحصول الملكة ، وعند ذلك يميل القلب إلى قول الملك ، فلا يزال يردّد بين الجندين متجاذبا إلى أن يغلب على القلب ما هو أولى به ، فإن كانت الصفات التي في القلب الغالب عليها الصفات الشيطانية غلب الشيطان ، ومال القلب إلى حزب من أحزابه معرضا عن حزب الله وأولياءه ، فيكله الله تعالى إلى نفسه في حال المعصية ، ويفارقه روح الإيمان ، كما ورد «ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن» (٤).
أو مطلقا. نعوذ بالله من ذلك ، فيعود إلى الصنف الثاني ويفارقه العقل الذي به يطاع الرحمن ويكتسب الجنان (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٥).
__________________
(١) سورة يونس : ٩١.
(٢) سورة غافر : ٨٥.
(٣) النساء : ١١٩.
(٤) عوالي اللئالي : ج ١ / ٤٠ ، ح ٤٢ وص ١٦٧ ، ح ١٨٤ ورواه النوري في «مستدرك الوسائل» كتاب الحدود والتعزيرات ، الباب (١) من أبواب حد السرقة.
(٥) سورة النحل : ١٠٨ ـ ١٠٩.