نفسك حتى تبقى محروما مطعونا يضحك عليك أهل الزمان ، تريد أن يزيد منصبك على فلان وفلان وقد فعلوا مثل ما اشتهيت ولم يمتنعوا ، ما نرى العالم الفلاني ليس يحترز عن مثل ذلك الفعل ، ولو كان شرا لامتنع منه ، مع (أَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) (١) ، (غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢) قد فتح لعباده باب التوبة والإنابة ، ووعد على نفسه الرحمة والعفو والمغفرة ، وورد : إن الله يحب المفتن التواب ، فارتكب هذه المعصية ، ثم تب إلى الله في يومك أو في آخر يوم من أيام عمرك ليجتمع لك التلذذ باللذات العاجلة الدنيوية والتنعم بالنعم الباقية الأخروية ، فحينئذ تميل النفس إلى الشيطان وتقلب إليه ، فيحمل الملك حملة على الشيطان ، ويقول : هل هلك إلا من اتبع لذة الحال ونسي العاقبة ، أفتقنع بلذة يسيرة وتترك الجنة ونعيمها أبد الآباد ، أو تستثقل ألم الصبر عن شهوة ولا تستثقل ألم النار ، أنغتر بغفلة الناس عن أنفسهم واتباعهم هواهم ومساعدتهم للشيطان مع أن عذاب النار لا يخفف بمعصية غيرك ، أتسوف التوبة ، وتقع في الحوبة ولعل الأجل يدركك في حال المعصية ، أو في النوم ، أو في شيء من آناء الليل والنهار ، وأنت غافل عن التوبة مشتغل القلب بالوحشة والدهشة ، ألم تسمع الله تعالى يقول :
(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (٣).
ألم تر أن فرعون لما أدركه الغرق قال : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٤).
__________________
(١) النور : ١٠.
(٢) البقرة : ١٧٣ ، ١٨٢ ، ١٩٣ ، ١٩٩ ، ٢١٨ ، ٢٢٥.
(٣) سورة النساء : ١٨.
(٤) سورة يونس : ٩٠.