وشيطان ، فيأمره الأول بأفعال البهائم من عبودية البطن والفرج والحرص على الأكل والجماع ، والثاني بأفعال السباع من الغضب والبغضاء والتوثب على الناس بأنواع الأذى ، والثالث : باستنباط الحيلة والمكر والخديعة والتوصل إلى الأغراض الشهوانية والعصبية والشيطنة بأنواع الحيل والخدع وإنما المطيع لهذه الثلاثة المتبع لشهواتها كالواقف بين أيديها في خدمتها ، يأمره الكلب مرة ، والخنزير أخرى ، وهو مشمّر عن ساق الجد للخدمة والإطاعة وامتثال الأمر والنهي ، لا يبغي عن خدمتها حولا ولعمري إنه بئس للظالمين بدلا.
الصنف الثالث : أرباب النفوس اللواّمة ، وهم الذين يقدمون على الطاعة مرة وعلى المعصية أخرى (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ ...) (١) غير مستقرّين على شيء مما هنالك ، وهؤلاء فطرتهم الأصلية بعد باقية ، ولذا يلومون أنفسهم باقتراف السيئات ويستبشرون باقتناص الفضائل والطاعات ، والمطاردة بين جنود العقل والجهل باقية دائمة في أراضي صدورهم ، وكيفية هذه المطاردة في معركة القلب المعنوي للإنسان على ما ذكره بعض أهل العلم ، أن خاطر الهوى مثلا يبتدأ أولا فيدعوه إلى الشر ، فيلحقه خاطر الإيمان فيدعوه إلى الخير ، فتنبعث النفس بشهواتها إلى نصرة خاطر الشر فيقوي الشهوة ، ويحسّن التمتع والتنعم ، فيبعث العقل إلى خاطر العقل ، ويدفع في وجه الشهوة ويقبّح فعلها وينسبها إلى الجهل ، ويشبّهها بالبهيمية والسبع في تهجمها على الشر وقلة اكتراثها بالعواقب ، ويميل النفس إلى نصح العقل ، فيحمل الشيطان حملة على العقل ويقوّي داعي الهوى ، فيقول : ما هذا الزهد البارد؟ ولم تمنع عن هواك فتؤذي نفسك ، وهل ترى أحدا من أهل عصرك يخالف هواه أو ترك عزيمته أفتترك ملاذ الدنيا لهم يستمتعون منها وتحجر على
__________________
(١) النساء : ١٤٣.