من طفاحة (١) الأنوار القلبية والفيوض الرحمانية.
وإليه الإشارة بقوله في الدعاء الذي يقرء ليلة الجمعة : «اللهم اجعل لي نورا في قلبي ، ونورا في قبري ، ونورا بين يدي ، ونورا تحتي ، ونورا فوقي ، ونورا في سمعي ، ونورا في بصري ، ونورا في شعري ، ونورا في بشري ، ونورا في لحمي ، ونورا في دمي ، ونورا في عظامي» (٢).
وأما إذا أمرت على مملكة البدن النفس الأمارة التي هي سفير الشيطان ووزيره فيبتدأ بتسخير الآلات والأدوات والأعضاء والمشاعر ثم يسعى في هدم الأرض الأقدس والبيت المقدس وهو بيت الإيمان والعرش الذي هو مستوى الرحمن ، وإليه الإشارة بقوله :
(وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) (٣). والأمر أمر تكويني.
وفي قراءة أمير المؤمنين عليهالسلام (٤) [أمّرنا] بالتشديد أي جعلناهم أمراء ، فلما سخرت النفس قرية البدن واستخدمت قواها واستعملت مشاعرها ووطأتها سنابك الشيطان وفارقتها ملائكة الرحمن وسائر الأعوان يبقى العقل وحيدا فريدا ضيق الصدر ، مجهول القدر ، منبوذ الأمر ، فينادى ربه بلسان الخشوع والاستكانة :
__________________
(١) الطفاحة ـ بضم الطاء ـ ما طفح فوق الإناء كزبد القدر إذا غلا.
(٢) جمال الأسبوع : ص ١٣٣ ، ومصباح المتهجد : ص ١٨٧ ، وعنه البحار : ج ٨٩ / ٢٩٣ ، ح ٥.
(٣) سورة الإسراء : ١٦.
(٤) سهى المؤلف قدسسره في نسبة هذه القراءة إلى أمير المؤمنين عليهالسلام ، فإن القراءة المنسوبة إليه هي بمد الهمزة ، كما قال الطبرسي في «مجمع البيان» : ج ٦ / ٤٠٥ ، في ذيل الآية ، هذه عبارته : القراءة العامة [أمرنا] بالتخفيف غير ممدود ، وقرأ يعقوب [أمرنا] بالمد ، وهو قراءة علي بن أبي طالب عليهالسلام والحسن ، وأبي العالية ، وقتادة ، وجماعة ، وقرأ [أمّرنا] بتشديد الميم ابن عثمان ، وأبو عثمان النهدي ، وأبو جعفر محمد بن علي بخلاف ، وقرأ [أمرنا] بكسر الميم الحسن ، ويحيى بن يعمر.