إنشاء الطلب بلا بعث ولا زجر ، لا استحالة فيه أصلا ، فإن الانشاء خفيف المئونة ، فالحكيم تبارك وتعالى ينشئ على وفق الحكمة والمصلحة ، طلب شيء قانونا من الموجود والمعدوم حين الخطاب ، ليصير فعليا بعد ما وجد الشرائط وفقد الموانع بلا حاجة إلى إنشاء آخر ، فتدبر (١).
______________________________________________________
وفرق واضح بين عدم الامكان وعدم الفعلية ، وقد اشار الى ما ذكرنا من عدم امكان البعث الى المعدوم بقوله : «ضرورة انه بهذا المعنى» أي يكون الحكم في مرتبة الفعلية وانه باعث وزاجر بالفعل «يستلزم الطلب منه حقيقة» أي يستلزم البعث والزجر الفعلي الارادة الحقيقية الفعلية «ولا يكاد يكون الطلب كذلك» أي لا يكاد يكون الطلب الحقيقي والارادة الحقيقية طلبا وارادة بالفعل «الا من الموجود ضرورة» أي بداهة.
وقد ظهر مما مر : ان التكليف لا يعقل بحسب البرهان المذكور ان يعم المعدومين بالخصوص ، واما بالنسبة الى الغائبين فلا مانع من ان يكون الحكم فعليا بالنسبة اليهم لامكان الانقياد والانبعاث منهم ، ولذا خصه بالمعدومين فقط ، فقال لا ريب في عدم صحة تكليف المعدوم عقلا ، فتأمل.
(١) حاصله : انه لا مانع من ان يعم الحكم المعدومين بمرتبته الانشائية ، وهي مرحلة جعل القانون ، فان الحكم في هذه المرتبة لا بعث فيه ولا زجر ولا إرادة حقيقية فيه بالفعل ولا طلب حقيقي كذلك فيه ، فان الحكم بهذه المرتبة هو جعل الحكم إنشاء فانه مرتبة جعل الحكم قانونا على وفق المصلحة والمفسدة ، وحين تتم شروط الفعلية له يكون فعليا من دون حاجة الى انشاء آخر ، والى هذا اشار بقوله : «فان الانشاء خفيف المئونة ... الى آخره» بعد ما اشار الى ان الحكم في هذه المرتبة لا بعث فيه ولا زجر بقوله : «هو بمعنى» مجرد «انشاء الطلب بلا بعث ولا زجر لا استحالة فيه اصلا».